تابعنا
مع اقتراب انتخابات يوم الحادي والثلاثين من مارس/آذار، شارك سكان إسطنبول علاقاتهم مع المدينة والوعود الانتخابية التي يجدونها أكثر أهمية لحياتهم اليومية مع ظهور التحول الحضري قضيةً محورية في تشكيل المشهد الانتخابي.

مع اقتراب موعد الانتخابات المحلية يوم الحادي والثلاثين من مارس/آذار في إسطنبول، المدينة الراسخة في التاريخ والثقافة والسياسة، أُتيحت الفرصة لسكانها مجدداً للتعبير عن تطلعاتهم بصوت عالٍ وواضح لحياة أكثر إشراقاً وتطوراً، خصوصاً بعد ظهور التحول الحضري قضيةً محورية في تشكيل المشهد الانتخابي.

إسطنبول، التي تمتد على قارتين وتعمل جسراً بين الشرق والغرب، هي مدينة تعج بالحياة والتنوع والتعقيد، شوارعها تردد خطى الأجيال، وأفقها مزين بالمآذن والقصور والأبراج الحديثة، ولكن تحت السطح تكمن مدينة تتصارع مع تحديات التحضر السريع، وعدم كفاية البنية التحتية.

على مر السنين، شهدت المدينة عديداً من التحولات، ولكن مع تطور المدينة تتطور معها توقعات سكانها أيضاً، أما القضايا الرئيسية التي تتصدر أذهان الناخبين قُبيل ذهابهم إلى صناديق الاقتراع فكثيرة، فيما تشكِّل مخاطر الزلازل، والازدحام المروري، والاكتظاظ السكاني، والتدهور البيئي مخاوف مُلحة للسكان في جميع أنحاء المدينة.

وفي ظل التحديات التي لا تُحصى، التي تواجهها المدينة، أطلق المرشحون الذين يتنافسون من أجل إسطنبول، العنان لوعودهم من أجل الفوز بمقعد الرئاسة.

وعود المرشحين

تتمثل وعود مراد كوروم، مرشح حزب العدالة والتنمية الحاكم، في تنفيذ مشاريع لدفع عجلة التحول الحضري، والاستعداد للزلازل وتجديد المناظر الطبيعية للمواقع التاريخية في إسطنبول، مثل الفاتح والسلطان أحمد والسليمانية.

ومن ضمن وعوده أيضاً بناء أكاديمية ثقافية للمدينة، ومساحات معيشية للحيوانات الضالة، بالإضافة إلى معالجة القضايا المتعلقة بمواقف السيارات وسيارات الأجرة.

بعكس مراد كوروم، الذي يترشح لأول مرة في المنافسة على مقعد بلدية إسطنبول، فإن منافسه من حزب الشعب الجمهوري المعارض، أكرم إمام أوغلو، وهو عمدة إسطنبول الحالي.

ومن أجل الفوز بفترة ولاية ثانية قدَّم إمام أوغلو وعوداً مبنية على الدعم الاجتماعي للعائلات، والمشاريع التي تشمل مدن الملاهي للأطفال والمساحات الخضراء، وترميم المناطق التاريخية، ومكافحة أزمة المُناخ.

لكن فترة ترشيحه الثانية طغت عليه ولايته الأولى، إذ إن بعض وعوده الانتخابية الحالية كانت من بين تلك التي قدمها في الانتخابات السابقة ولم يوفِ بها.

وبعد تقديم رؤيتين مختلفتين لإسطنبول، يشارك سكان إسطنبول ما هو مهم بالنسبة لهم في اختيار عمدة بلديتهم الجديد. وفي ما يلي أبرز التصريحات التي نقلها موقع TRT World.

التحول الحضري والاستعداد للزلازل

تعتقد شيماء، 24 عاماً، وتعمل محررة فيديو، أن مشاريع التحول الحضري سيكون لها تأثير كبير في تصويتها، لأنها ستكون أيضاً حاسمة في الاستعداد للزلازل.

ومع ذلك، تقول إن هذه المشاريع يجب أن تمنع الأحياء من فقدان جوهرها، الأمر الذي يتطلب تخطيطاً مدروساً ودقيقاً.

في حين أن الاستعداد للزلازل والتخطيط الحضري من بين اهتماماتها الرئيسية، تعتقد شيماء أن الاكتظاظ السكاني هو التحدي الأكثر إلحاحاً بالنسبة لإسطنبول، ولهذا السبب ترى أن التحول الحضري يجب أن يسير جنباً إلى جنب سياسة خفض عدد السكان، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى أحياء ومراكز ترفيهية أوسع وأكثر اتساعاً.

وتعيش شيماء في إسطنبول منذ ست سنوات، وتقول إنها تفكر أحياناً في مغادرتها بسبب خطر الزلزال على الرغم من حبها للمدينة، إذ تخشى أن يجري تدمير المدينة إلى حد كبير بسبب زلزال محتمل.

"لا ينبغي التعامل مع الانتخابات البلدية من الناحية الأيديولوجية".

أما مريم، 31 عاماً، التي ولدت ونشأت في إسطنبول، وتعمل محررة في إحدى المجلات، فتُعرب عن علاقتها بالمدينة قائلة: "إسطنبول هي بيتي".

وتنتقد مريم اقتراب الناس من الانتخابات المحلية أيديولوجيّاً بدلاً من التركيز على حلول مشكلات المدينة المستمرة، التي يأتي على رأسها الاستعداد للزلازل، والازدحام المروري، وزيادة عدد السكان، وترى أن سياسات الزلازل يجب أن تكون لها الأولوية في هذه الفترة.

وتعتقد أن التخطيط الحضري الفعّال يمكن أن يحلّ هذه القضايا، فضلاً عن جعلها أكثر أماناً وأكثر تنظيماً.

"إسطنبول هي المدينة التي سأقضي فيها بقية حياتي"

يفترض شيتين، 50 عاماً، يعمل ناشراً، أن التحول الحضري يمكن أن يجعل المدينة أكثر ملاءمة للعيش إذا أنقذ المدينة من التخطيط غير المنتظم وجعلها أكثر خضرة مع مزيد من المرافق، مثل الملاعب وأماكن وقوف السيارات.

ويقول، بعد أن أمضى أكثر من نصف حياته في هذه المدينة، إن "إسطنبول هي المدينة التي ولدت وترعرع فيها أطفالي، إنها المدينة التي سأقضي فيها بقية حياتي على الأرجح، ويمكنني أن أسميها بيتي".

في الوقت نفسه، يجادل شيتين أيضاً في الحاجة الملحة للتأهب للزلازل، ولتقليل الأضرار التي يمكن أن يسببها الزلزال، وأكد أهمية التثقيف العام وزيادة عدد مناطق الإيواء المجتمعية.

ومع ذلك، فإن أهم مطالبه هي وسائل نقل عام بأسعار معقولة، مع شبكات موسعة من أنظمة السكك الحديدية، وخطوط مترو لجعل كل جزء من المدينة في متناول الجميع.

ومن شأن ذلك أن يَلقى صدى لدى عامة الناس، حسب قوله، إلى جانب حل مشكلة الإسكان وزيادة الإيجارات من خلال توفير مساكن بأسعار معقولة.

"لا ينبغي الخلط بين الانتخابات المحلية والانتخابات العامة"

أما رميسة، 27 عاماً، فتُشير إلى أن الناس في تركيا يخلطون عموماً بين الانتخابات المحلية والانتخابات العامة، وتقول إنه ليس من المنطقي أن يقول الناس إنهم سيصوتون أو لا يصوتون لمرشح بلدية بسبب بعض سياسات أحزابهم على المستوى الوطني.

وبما أن الانتخابات المحلية ستحدد حياة الفرد اليومية، فهي ترى أنه يجب على الناس التصويت للمرشحين، وليس للأحزاب.

وأكثر ما يؤثر في قرارها هو ما يقترحه المرشحون بشأن الاكتظاظ السكاني في إسطنبول، الذي يتصارع معه كل شخص في المدينة يومياً ويحمل مخاطر كبيرة، خصوصاً في حالة وقوع زلزال.

وستصوت رميسة لصالح مرشح لديه خطة قوية لإعداد إسطنبول لمواجهة زلزال كبير، إذ أصبح الشغل الشاغل بعد زلازل 6 فبراير/شباط الذي ضرب البلاد.

وتضيف أن الاستعداد للزلازل يجب أن يشمل التدريب على الإسعافات الأولية لكل شريحة من المجتمع ينظمها المخاتير في كل حي، وعدد كافٍ من الحاويات في كل حي، تحتوي على الإمدادات الغذائية والطبية، والفحص السريع للمباني الحالية ومقاومتها الزلازل.

"ما فعلوه من قبل سيكون حاسماً"

ويعتقد إبراهيم، وهو مهندس زراعي، 52 عاماً، أنه إذا شاركت البلديات القوية التي تعمل بالتعاون مع حكومة قوية في الاستعداد لمواجهة الزلازل، سيمكن التوصل إلى حل محدد، مشيراً إلى أن "الوحدة السياسية هي المفتاح لإنجاز الأمور".

ويستشهد ببعض الأمثلة الناجحة للإدارة الحضرية في ما يتعلق بالاستعداد للزلازل في أوسكودار وإسنلر، وهما منطقتان يقودهما رؤساء بلديات من حزب العدالة والتنمية.

ويقول إبراهيم إن التحول الحضري يجب أن يكون أولوية، ليس فقط للتخفيف من مخاطر الزلازل، ولكن لتحسين الحياة اليومية للناس. ويأمل أن يجلب ذلك نموذجاً بيئياً جديداً للمدينة، وربما توسيع المساحات الخضراء.

وبالإضافة إلى ذلك، يشير إلى مشكلة تجول الكلاب الضالة في المدينة، مما يثير الخوف لدى الأهالي، ويقول: "مَن الذي يمكنه حقاً تنفيذ هذا النوع من المشاريع -عندما ننظر إلى ما فعلوه من قبل- يصبح واضحاً".

وبعد أن عاش في إسطنبول لمدة 35 عاماً تقريباً، يقول إبراهيم إن هذه المدينة هي وطنه وليست كغيرها من المدن، لا في تركيا ولا في العالم، ورغم ارتباطه بالمدينة، فهو يريد إسطنبول أكثر ملاءمة للعيش، مع أنظمة نقل رقمية مناسبة ولوائح تتعلق بالقضايا البيئية.

المساحات الحضرية تشكل هويات سكانها

سيعتمد تصويت دينيز، 25 عاماً، على رؤى المرشحين قصيرة وطويلة المدى لتنظيم المساحات الحضرية لجميع المواطنين، مشيرة إلى أنه في إدارة المساحات الحضرية، يجب تمثيل الطلاب والشباب خلال عملية صنع القرار.

وتضيف أنه من خلال تقديم الحوافز للناس للمشاركة والانخراط في حل مشكلات المدينة، فإنهم يشعرون بأنهم ممثَّلون في هذا الفضاء.

كما تعتبر الانتخابات المحلية مهمة بالنسبة لها، بمعنى أن الحياة اليومية للمواطنين لمدة 5 سنوات ستعتمد في الغالب على كيفية حكم رئيس البلدية لهذه المساحة الحضرية.

وتقول دينيز، التي وُلدت ونشأت في إسطنبول، إن تنفيذ سياسات فعالة للاستعداد للزلازل يتطلب التعاون بين الإدارات المركزية والمحلية.

وتتابع: "أنا أشكّل وأواصل تطوير هويتي هنا، لذلك أشعر بعمق أنني إسطنبولية، لقد اختبرت جميع مناطق إسطنبول تقريباً ووجدت أشياء مختلفة في مناطق مختلفة، أطوّر الاستراتيجيات للعيش بشكل أسهل وأكثر عملية في المدينة التي تُثري وجهة نظري ومنظوري بتاريخها، وتنوع سكانها، ومجالها الاجتماعي المتغير دائماً".

وبصرف النظر عما تعنيه المدينة بالنسبة لها، فهي أيضاً الأكثر أهمية بالنسبة لتركيا، ببنيتها التحتية ومواردها والفرص التي توفرها، حتى على المستوى العالمي، وتقول دنيز: "بما أن للناس الحق في العيش في المدينة، فإن للمدينة أيضاً الحق في الحفاظ على نفسها".

TRT عربي