تابعنا
حسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا"، جرت 226 عملية هدم لمنشآت في القدس خلال عام 2023، وهُجّر 633 شخصاً، و5952 آخرون تأثروا بالعمليات.

في 3 يناير/كانون الثاني الجاري، تفاجأ المقدسي إياد رمضان شقيرات بحصار القوات الإسرائيلية منزله الكائن في جبل المكبر شرق المدينة، بعد تفجير بوابته الرئيسية وإخراج أفراد العائلة بالقوة، ما أدى إلى إصابة طفله عدي بحالة هلع وخوف، ونقلته سيارة الإسعاف إلى مستشفى المقاصد للعلاج.

وهدمت آليات الاحتلال الإسرائيلي بناية عائلة شقيرات المكونة من طابقين بحجّة عدم الترخيص، بعد اقتحام قوات كبيرة من الوحدات الخاصة والشرطة وحرس الحدود ووحدة "الكلاب البوليسية"، وبمساندة طائرة "درون"، حي الجديرة، وحاصرت مداخله بالكامل ومنعت الوصول إليه.

وفي تسجيل مصوّر نشره "مركز معلومات وداي حلوة-القدس"، ظهرت فيه نساء عائلة شقيرات يبكين منزلهن، وقالت إحدى الشابات من العائلة: "هذا بيت العائلة، كل ولائم رمضان بتكون فيه، بيت العائلة البيت الذي يلمنا دائماً، هذه تفاصيل أكبر من الاحتلال، تفاصيل لا يفهمها".

وفي هذا الإطار، يقول مدير "مركز معلومات وادي حلوة"، جواد صيام، إن السلطات الإسرائيلية تتحضر كما جرت العادة مع بدء العام الجديد لشن حملات جديدة ضد المقدسيين، إذ بدأ عام 2024 باستهداف عائلة شقيرات في جبل المكبر، ونفّذت عملية هدم المنزل قبل انتهاء المهلة التي حُدِّدت لتنفيذ القرار.

ويضيف لـTRT عربي، أن هذه العملية تأتي بعد عام مليء بالاستهداف والتنكيل تحديداً في الربع الأخير منه، وتفعيل ما يُعرف بـ"قانون الطوارئ" في القدس المحتلة منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، واستغلاله لفرض عقوبات جماعية على المقدسيين شملت منع الوصول إلى البلدة القديمة، وبالتالي إلى المسجد الأقصى المبارك وقطع التواصل بين الأحياء الفلسطينية عبر إقامة الحواجز".

التهجير.. العنوان الأخطر

وينوّه صيام إلى أن السياسات الإسرائيلية هذه تقود إلى هدف واحد وهو تهجير المقدسيين من المدينة ودفعهم إلى الرحيل، ويمكن اعتبار ما يجري في بلدة سلوان وتحديداً في حي وادي حلوة من مصادرة أراضٍ وتسليم إخطارات هدم؛ بهدف تنفيذ مشروع استيطاني وإقامة قطار هوائي (تلفريك) على أراضيها دليلاً عمليّاً على ذلك.

ويشير إلى أن السلطات الإسرائيلية تستفرد بالقدس؛ لأن المدينة تقع بشكل كامل تحت سيطرتها، وتقيم بؤراً استيطانية داخل المدينة وفي محيط الأحياء الأكثر استهدافاً، مثل حي الشيخ جراح وصور باهر وأم طوبا.

ووفق صيام، فإن المستوطنين يُمنَحون ضوءاً أخضر لتنفيذ اعتداءاتهم التي تقع بحماية الجنود الإسرائيليين الذين لا يتوانون عن إطلاق النار، "يكفي أن يقول مستوطن عن أي مقدسي هذا إرهابي اقتله؛ فيطلق عليه النار"، على حدّ تعبيره.

وتمتنع بلدية الاحتلال في القدس عمداً عن إعداد خرائط هيكليّة مفصّلة للأحياء الفلسطينية في شرقيّ القدس، علماً أنّه بدونها لا يمكن استصدار رخص بناء، ما يتسبب بنقص حاد في المباني السكنيّة والعامّة، ولا يبقى خيار للسكّان سوى البناء من دون ترخيص، رغم احتمال الهدم، وفقاً لمركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة "بتسيلم".

وحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا"، جرت 226 عملية هدم لمنشآت في القدس خلال عام 2023، وهُجّر 633 شخصاً، و5952 آخرون تأثروا بالعمليات.

سلطات الاحتلال الإسرائيلي تشرع في هدم منزلين بالقدس الشرقية في 9 من من يناير/كانون الثاني 2024 (AA)

الأقصى.. "يتيم وحزين"

من جهتها وصفت المرابطة المقدسية الحاجة نفيسة خويص، المسجد الأقصى المبارك بـ"اليتيم والحزين"، مشيرة إلى أن المسجد استقبل العام الجديد بألم واشتياق لروّاده الممنوعين من الوصول إليه.

وأصدرت السلطات الإسرائيلية قرارات إبعاد عدّة عن باحات الأقصى المبارك بحق خويص، كان آخرها قبل اندلاع الحرب على قطاع غزة بأربعة أيام، وبعدها بأيام شمل القرار إبعادها عن أبوابه الرئيسية ثم عن البلدة القديمة.

وتبيّن خويص لـTRT عربي، أن قرارات الإبعاد تشبه قرار الاعتقال الإداري تصدر لستة أشهر ثم يجري تجديدها، مضيفةً: "اعتُقلت من باحات الأقصى لمرات لا تعدّ، وتعرضت للاعتداء والضرب وكسر إصبع في يدي اليسرى في أحد الاعتداءات، وصدرت بحقي قرارات إبعاد عدّة في مراحل مختلفة، لكن هذا لا يخيفني ولن يبعدني عن المسجد المبارك، نحن لا نخاف ولا ننكسر".

ومنذ عملية طوفان الأقصى واندلاع الحرب، فرضت سلطات الاحتلال حصارها المشدد على الأقصى، بمنع الشبان من الدخول إليه والصلاة فيه، وفرض القيود على دخول كبار السن، محاولة منعهم من الوصول بحجة "أن الدخول لكبار السن من سكان البلدة القديمة فقط"، ومنعت الآلاف من المصلين الدخول لأداء صلاة الجمعة، وتراوحت أعداد المصلين في أيام الجمعة بين ثلاثة و12 ألف مصلّ فقط، في وقت كانت تصل فيه أعداد المصلين إلى أكثر من 50 ألفاً.

قيود إسرائيلية على الصلاة بالمسجد الأقصى للجمعة في 12 من يناير/كانون الثاني 2024 (AA)

سياسة الإبعاد

الإبعاد عن المدينة، مكان السكن، شوارع القدس، الأقصى، البلدة القديمة، الضفة الغربية، سياسة إسرائيلية باتت تتصاعد خلال الأعوام الأخيرة بشكل ملحوظ.

ورصد "مركز معلومات وادي حلوة" في تقرير له، 1105 قرارات إبعاد خلال عام 2023، شملت "إبعاداً عن القدس، البلدة القديمة، الأقصى، مناطق السكن، شوارع القدس، الضفة الغربية".

وأوضح المركز أن من بين قرارات الإبعاد 568 قرار إبعاد عن البلدة القديمة، و412 قرار إبعاد عن المسجد الأقصى، و29 قرار إبعاد عن مدينة القدس.

ويشير مركز القدس للحقوق القانونية والاجتماعية إلى أن سياسة الإبعاد قديمة جديدة، تتبعها سلطات الاحتلال بهدف تفريغ منطقة معينة وإتاحة المجال للمستوطنين للاعتداء على سكانها؛ لدفعهم إلى الهجرة عنها وسلبها في سياسة بدأت عام 1948، وتعد مخالفة للقانون الدولي والإنساني.

قوانين لجعل القدس مكاناً يصعب العيش فيه

ويقول رئيس لجنة أهالي الأسرى المقدسيين، أمجد أبو عصب، إن مدينة القدس شهدت حملة اعتقالات خلال عام 2023 تجاوزت 3 آلاف حالة، من بينهم 700 طفل، 53 منهم من دون سن 12 عاماً و165 سيدة، لكنّ الاعتقالات تركزت بعد تاريخ 7 أكتوبر/تشرين الأول وشملت حوالي 1000 حالة اعتقال.

ويوضح أبو عصب لـTRT عربي، أن السمة الغالبة على حالات الاعتقال تمثّلت بالضرب والتنكيل الشديدين اللذَين وصلا إلى حدّ تكسير الأطراف والأنوف، واستعمال الأدوات المعدنية في ضرب الأسرى، وشهد "مركز تحقيق المسكوبية" حالات اعتداء على الأسيرات والأسرى والقاصرين، في إطار تواطؤ بين السلطة القضائية وأجهزة الشرطة والمخابرات للتغطية على هذه الجرائم.

ويشير إلى أن وزير الحرب الإسرائيلي يوآف غالانت أصدر مجموعة من القرارات التي تهدف إلى وضع اليد على مقدرات الأسرى وذوي الشهداء، وذلك من خلال ما تُسمى بـ"لجنة محاربة الإرهاب الاقتصادي الفلسطيني" الذي يمنح السلطات الإسرائيلية صلاحية مصادرة رواتب هذه الفئة والحجز على الحسابات البنكية الخاصة بهم أو بذويهم في البنوك الإسرائيلية، ومصادرة سياراتهم وممتلكاتهم من الذهب وتخريب محتويات البيوت.

ويشدد أبو عصب على أن ما يجري الآن في القدس يهدف إلى "حسم ملف المدينة، بما فيه المسجد الأقصى المبارك، عن طريق جعلها مكاناً يصعب العيش فيه ضمن سياسة تنكيل وتضييق من خلال الاعتقالات، الحبس المنزلي، والهدم، واستهداف المصالح التجارية، وتحرير المخالفات وإغلاق الطرق".

وإضافةً إلى غيرها من الأساليب القمعية التي تضمنت استحداث قوانين خلال الحرب تمنح صلاحيات لعناصر الشرطة والمخابرات بتفتيش الهواتف النقالة للمارين في شوارع القدس، واعتقال كل من يحتوي هاتفه صوراً أو أخباراً أو متابعة لأي صفحة فلسطينية تتبع فصائل المقاومة بحجّة دعم الإرهاب، سجّلت حالات اعتقال لمقدسيين ومقدسيات بناء على هذه القوانين، وفق أبو عصب.

السلطات الإسرائيلية تشرع في هدم منزلين بالقدس الشرقية في 9 من يناير/كانون الثاني 2024 (AA)

من ينقل الحدث يصبح الحدث

بدوره يقول مسؤول لجنة القدس في نقابة الصحفيين الفلسطينيين، بلال الكسواني، إن استهداف الصحفيين في مدينة القدس غير مسبوق وغير مبرّر، ولم تسجل نقابة الصحفيين في تاريخها حالات اعتداءات مثل التي تسجل في الوقت الحالي.

وشكّل تاريخ 7 من أكتوبر/تشرين الأول نقطة تحوّل في مسار العمل الصحفي داخل مدينة القدس، وأصبحت قوات الاحتلال تتعمد الاعتداء على الصحفيين في أي حدث تشهده المدينة ثم تشرع بعملية قمع للمقدسيين.

ويشير الكسواني في حديثه مع TRT عربي، إلى أن النقابة وثقت استهداف 20 صحفياً في القدس المحتلة منذ 7 من أكتوبر/تشرين الأول الماضي حتى نهاية 2023، تضمنت اعتداءات جسديّة ولفظيّة ومنعاً من التغطية، والتعرض للدفع والإهانة من قبل عناصر الشرطة والمستوطنين.

وسجلت اعتداءات على الصحفيين على مدار الجُمَع الأربعة عشرة التي أُقيمت فيها صلاة الجمعة في حي وادي الجوز بسبب منع الوصول إلى الأقصى المبارك، وكان الضُّباط يأمرون مطلقي قنابل الغاز والقنابل الصوتية والمياه العادمة بالاعتداء على الصحفيين.

ويُعتبر ما تعرّض له الصحفي مصطفى الخاروف، مصور وكالة الأناضول في القدس مثالاً لذلك، إذ تعرض لاعتداء لفظي تحول إلى اعتداء جسدي وضرب مبرح أمام الكاميرات فقط؛ بسبب محاولة الاستفسار والاحتجاج على الإهانات اللفظية الي وجّهت إليه، على حدّ تعبيره.

ودّعت القدس المحتلة عام 2023 وهي مثقلة بأوجاع سنة وُصفت الأقسى والأصعب على المدينة وأهلها، وها هي تدخل عاماً جديداً عنوانه معارك متعددة الجبهات، بهدف قلب المعادلة الديموغرافية لصالح المستوطنين واستكمال تهويد المدينة.

اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي في القدس عام 2023 (TRT Arabi)
TRT عربي