تابعنا
لم تتوقف إدارة سجون الاحتلال عن تنفيذ جرائم طبيّة بحقّ الأسرى المرضى، من خلال المماطلة في تقديم العلاج اللازم لهم، التي تشكّل أبرز أدوات هذه الجريمة، عدا عن احتجاز المرضى في ظروف لا تناسب أوضاعهم الصحيّة.

في 16 ديسمبر/كانون الأول الماضي، وفي أثناء عودتها من مستوصف صحيّ لإتمام مراجعة طبيّة، اعتقل الجيش الإسرائيلي فاتن ماجد السيقلي (21 عاماً) من أمام حاجز عسكري مُقام قرب بلدة عورتا، جنوب شرقي مدينة نابلس.

جنود الاحتلال أوقفوا المركبة التي كانت تستقلها السيقلي برفقة زوجها، وطلبوا بطاقتيهما الشخصيتين، وبعدها أعلموا زوجها أنها معتقلة، لأنها تحمل بطاقة شخصية مدوّن عليها أنها من سكان غزة مع أنها مقيمة في الضفة الغربية منذ ثلاث سنوات، وهددوا زوجها الذي حاول توضيح أنها مريضة بالسرطان، وصوّبوا السلاح إليه، لإطلاق النار إذا لم يغادر، ورفضوا أن تأخذ فاتن دواءها معها.

وبعد أيام عدّة، أفرجت سلطات الاحتلال عن السيقلي من احتجازها في ظروف صعبة من دون مراعاة إصابتها بالسرطان وحاجتها لعلاج.

اعتقال السيقلي وجّه الأنظار مجدداً نحو ملف الأسرى المرضى في سجون الاحتلال الإسرائيلي ومعاناتهم المضاعَفة في ظل التصعيد الإسرائيلي غير المسبوق بحق الحركة الأسيرة.

وفي هذا الإطار، تابعت TRT عربي ظروف الأسير المصاب بالسرطان عاصف الرفاعي، القابع فيما تسمى عيادة سجن الرملة في ظروف تعد الأخطر بين الأسرى المرضى.

قلق وخوف

منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، تعيش عائلة الأسير المريض بالسرطان عاصف الرفاعي حالة قلق وخوف غير مسبوقة مع انقطاع أخباره وعدم قدرتهم على الاطمئنان عليه نهائياً رغم خطورة وضعه الصحي.

ويقول عبد الرفاعي، والد الأسير عاصف لـTRT عربي، إنهم ومنذ بدء الحرب على غزة لم يعرفوا شيئاً عنه باستثناء مرتين؛ الأولى عندما تواصلت معهم محامية الأسير وليد دقّة الذي طلب منها نقل رسالة لعائلة عاصف مفادها أن الأخير يعاني تدهوراً كبيراً في حالته الصحية، وتقرر وقف إعطائه العلاج الكيماوي والبيولوجي نظراً لعدم احتمال جسده هذه العلاجات فيما ينتشر السرطان في كل أنحاء جسده.

ويضيف والد الأسير أنّ المرة الأخيرة التي تمكنوا فيها من زيارة نجلهم كانت في سبتمبر/أيلول 2023، وبدا عليه التعب والهزال، وفقد كثيراً من وزنه، ويقول: "أصبت بالصدمة في زيارتي الأخيرة لابني، كان متعباً وهزيلاً وعيناه غائرتان في وجهه، ولونه أصفر، وفقد 40% من وزنه".

عاصف شاب في مقتبل العمر لم يُتمّ بعد عامه الـ22، ورغم صغر سنه اعتُقل 4 مرّات وأُصيب برصاص الاحتلال الإسرائيلي 3 مرّات.

في اعتقاله الثالث مكث عاصف في السجون الإسرائيلية نحو 10 أشهر وخرج منها مصاباً بسرطان القولون والغدد، ويقول والده إن "الأطباء أُصيبوا بالصدمة من حالته، لأنه من المستبعد إصابة شاب عشريني بسرطان القولون".

ورغم إصابته بالسرطان، اعتقلت قوات الاحتلال عاصف للمرة الرابعة يوم 24 سبتمبر/أيلول 2022، أي في عيد ميلاده الـ20.

"مؤمنون وسنواجه قدرنا بشجاعة وإيمان"

ويشير والد عاصف إلى أن الرسالة الثانية التي وصلت إليهم حول نجلهم كانت مع أسير تحرر مؤخراً من السجون الإسرائيلية، وأكد لهم أن عاصف لا يستطيع النوم من شدّة الألم، مضيفاً: "ربنا يختار له الأفضل"، في إشارة إلى سوء حالته.

ويؤكد الرفاعي خلال حديثه أن "العائلة سلّمت أمرها لله، وأنهم مؤمنون وسيواجهون قدرهم بكل شجاعة وإيمان"، مشيراً إلى أن عاصف كان يرفض الحديث عن وضعه الصحي أمام أفراد عائلته وفي أثناء زيارتهم له في السجن رغم أنه يعلم تفاصيلها.

ويردف: "عاصف يشبه المغناطيس يجذب كل من يتحدّث معه، يحبه الناس بشكل تلقائي منذ اللحظة الأولى للقائهم معه، له حضور طاغٍ ولطالما كان سابقاً لسنّه، ولم يمنحه الاحتلال الإسرائيلي فرصة عيش حياة طبيعية".

يُذكر أن عاصف الرفاعي من مواليد 24 سبتمبر/أيلول 2002 لعائلة مكونة من أب وأم و3 إخوة و4 أخوات، وهو من قرية كفر عين شمال غربي رام الله وسط الضفة الغربية.

عيادة سجن الرملة

تعد عيادة سجن الرملة جزءاً من سجن الرملة، وتابعة لمديرية مصلحة السجون الإسرائيلية بهدف معالجة الأسرى، إلا أنها تفتقر إلى التجهيزات الطبية اللازمة.

وتعد "عيادة سجن الرملة" التي يصفها الأسرى الفلسطينيون بـ"المسلخ" أحد مكونات منظومة العلاج التي تتيحها إدارة سجون الاحتلال الإسرائيلي للأسرى.

وأفادت هيئة شؤون الأسرى والمحررين بأن إدارة سجون الاحتلال في "عيادة سجن الرملة" كثفت بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 من تضييقاتها وإجراءاتها القمعية بحق الأسرى المرضى القابعين هناك والبالغ عددهم 14 أسيراً.

وأوضحت أن "الحالات المَرضية في عيادة سجن الرملة هي الأصعب في السجون، فهناك مصابون بالرصاص، ومقعَدون، ومصابون بأمراض مزمنة وأورام خبيثة منذ سنوات، وجميعهم محتجزون في ظروف قاسية، إلى جانب ما يتعرضون له من انتهاكات طبية متواصلة تجعل منهم فريسة للأمراض".

وأشارت الهيئة إلى أن الأسرى القابعين في عيادة سجن الرملة، هم: إياد رضوان، وسامر أبو دياك، ونور جربوع، وعاصف الرفاعي، ومصطفى واقد، ومحمد طقاطقة، ورأفت فنونه، ومحمد ربيع، وحسن جلايطة، وطارق أبو الرب، ومصطفى نعانيش، ووليد دقه، وجلال عويجان، وفادي هيجاوي.

يُذكر أن سجن الرملة يشمل عيادة سجن الرملة، وعزل نيتسان الرملة، وعزل أيالون الرملة، وسجن "ماجين"، ومعتقل "نفي ترتسيا". ويقع السجن في منتصف الطريق بين مدينتي الرملة واللد، شمالي فلسطين المحتلة، وهو مجمعٌ أمنيٌ مترامي الأطراف شَيّدته سلطات الاحتلال البريطاني عام 1934، ومحاط بسور مرتفع.

تصاعُد الجرائم الطبيّة بحقّ الأسرى

لم تتوقف إدارة سجون الاحتلال عن تنفيذ جرائم طبيّة بحقّ الأسرى المرضى، من خلال المماطلة في تقديم العلاج اللازم لهم، التي تشكّل أبرز أدوات هذه الجريمة، عدا عن احتجاز المرضى في ظروف لا تناسب أوضاعهم الصحيّة.

وبعد 7 أكتوبر/تشرين الأول، صعّد الاحتلال من الجرائم الطبيّة، منها توقف إدارة السّجون عن نقل الأسرى المرضى الذين يحتاجون إلى متابعة حثيثة، والتوقف عن نقل الأسرى إلى المستشفيات، وحرمانهم من الخروج حتى إلى عيادة السجن، وتعمُّد عدم تقديم العلاج لمئات الأسرى الذي تعرضوا لعمليات تنكيل وتعذيب رغم إصاباتهم.

ومن الجرائم أيضاً تعرُّض كثير من المرضى لعمليات قمع ونقل وتنكيل، والتضييق على عمل الطواقم القانونية بشكل مضاعَف في متابعة كثير من الملفات الطبيّة الخاصة بأسرى مرضى بأمراض مزمنة، ومصادرة أجهزة طبيّة من بعض الأسرى كالنظارات والعكازات، إلى جانب سياسة التجويع التي ألقت بثقلها على واقع الحياة الاعتقالية للأسرى.

وتعتقل سلطات الاحتلال في سجونها أكثر من 800 أسير مريض، من بينهم نحو 250 أسيراً يعانون أمراض مزمنة، منهم 28 أسيراً يعانون السّرطان والأورام بدرجات متفاوتة، وتعد حالة الأسير عاصف الرفاعي أصعبها وأشدها.

TRT عربي