الاحتلال يعتقل طفلاً فلسطينياً أثناء توجهه إلى المدرسة (Others)
تابعنا

تصاعدت وتيرة عنف الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية بعد عملية 7 أكتوبر/تشرين الأول التي نفذتها المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال، كأسلوب للانتقام واستخدام العنف المبالغ فيه، وشملت انتهاكات الاحتلال جميع مفاصل الحياة الاجتماعية والمجتمع، خصوصاً فئة الأطفال.

وتأتي الانتهاكات ضد الأطفال في الضفة الغربية امتداداً لما يحصل في قطاع غزة الذي يتعرض لقصف مستمر منذ 85 يوماً، إذ حذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) من أن غزة هي أخطر مكان في العالم على الإطلاق بالنسبة إلى الأطفال، وبلغت حصيلة الشهداء الأطفال في غزة 11 ألفاً و422 طفلاً حتى تاريخ 27 ديسمبر/كانون الأول.

2023 الأكثر دموية للأطفال في الضفة

أصدرت يونيسف في 28 ديسمبر/كانون الأول الحالي تقريراً قالت فيه المديرة الإقليمية للمنظمة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أديل خُضُر إن "عام 2023 كان الأكثر دموية على الإطلاق بالنسبة إلى الأطفال في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، حيث وصل العنف المرتبط بالنزاع إلى مستويات غير مسبوقة".

وأضافت أن "83 طفلاً قُتلوا في الأسابيع الاثني عشر الماضية، أي أكثر من ضِعف عدد الأطفال الذين قُتلوا في عام 2022 بأكمله، وسط تزايد العمليات العسكرية وعمليات إنفاذ القانون. وأصيب أكثر من 576 طفلاً، واعتُقل آخرون حسب التقارير، علاوة على ذلك تأثرت الضفة الغربية بشدة بالقيود المفروضة على الحركة والوصول".

وأكد التقرير أنه بينما يراقب العالم برعبٍ الوضع في قطاع غزة، يعاني الأطفال في الضفة الغربية من "كابوس خاص بهم"، مشيراً إلى أن العيش مع شعور شبه دائم بالخوف والحزن هو أمر شائع جداً بالنسبة إلى الأطفال المتأثرين.

وأفاد عديد من الأطفال بأن الخوف أصبح جزءاً من حياتهم اليومية، إذ يشعر كثير منهم بالخوف حتى في أثناء السير إلى المدرسة أو اللعب في الخارج، بسبب التهديد بإطلاق النار وغيره من أعمال العنف المرتبطة بالنزاع.

وحسب المنظمة الأممية، زادت شدة هذا العنف بشكل كبير منذ هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول، إذ أسفرت أعمال العنف المرتبطة بالنزاع عن مقتل 124 طفلاً فلسطينياً منذ بداية عام 2023.

بين القتل والاعتقالات دون حق

ويقول مدير برنامج المساءلة في الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال عايد أبو قطيش إن أبرز الانتهاكات بحق الأطفال الفلسطينيين خلال عام 2023 هو انتهاك حقهم في الحياة، إذ وثّقت الحركة من بداية العام إلى اليوم عملية قتل 120 طفلاً فلسطينياً في الضفة الغربية، وإن التصاعد في انتهاك حق الأطفال الفلسطينيين في الحياة جاء بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول.

ويوضح أن "الحق في الحياة هو عملياً في الحق في البقاء والنماء، وهناك انتهاكات إسرائيلية لكل الحقوق التي وردت في اتفاقية حقوق الطفل، مثل انتهاك حقهم في مستوى معيشي مناسب، والتعليم، وحقوقهم الصحية، إذ كان واضحاً خلال هذا العام أن في الضفة الغربية أيضاً انتهاكاً لحق الأطفال الفلسطينيين في ما يتعلق بالتحرر من التعذيب".

ويؤكد أبو قطيش أن "كل الأطفال الفلسطينيين الذين يجري اعتقالهم من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي يتعرضون لأشكال مختلفة من التعذيب وإساءة المعاملة، وبعد 7 أكتوبر/تشرين الأول كان هناك تصاعد وعنف أكثر ضد الأطفال الفلسطينيين الذين يجري اعتقالهم والتحقيق معهم من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي".

ويلفت إلى صعوبة معرفة أوضاع الأطفال في السجون، إذ لا يوجد لدى المؤسسات الحقوقية تصور دقيق لمعاناة الأطفال وأشكال التعذيب وإساءة المعاملة التي يتعرضون لها، لأن إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية تقيد بشكل كبير عملية زيارة المحامين للأطفال داخل السجن، وبالإضافة إلى ذلك فإنه خلال المحاكم العسكرية الإسرائيلية لا توجد إمكانية للتواصل بين المحامي والطفل للتعرف على ظروف الانتهاكات التي تعرض لها.

إضافة إلى مسألة إصدار أوامر اعتقال إداري ضد الأطفال، ومن بداية العام كان هناك تصاعداً في أعداد الأطفال الفلسطينيين حتى في الفترة التي سبقت 7 أكتوبر/تشرين الأول، إذ وثقت الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال حالة 30 طفلاً فلسطينياً جرى وضعهم تحت الاعتقال الإداري (اعتقال دون تهمة أو محاكمة)، وفق أبو قطيش.

ويشير إلى صعوبة تتبع جميع حالات الاعتقال الإداري بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول لكثرتها، عدا عن الذين صدر بحقهم أوامر اعتقال إداري وجرى إطلاق سراحهم ضمن صفقة التبادل التي صارت الفترة الماضية.

حلقة مستمرة من العنف الدموي

وقدمت منظمة هيومن رايتس ووتش توصية في أغسطس/آب الماضي بأنه "على الأمين العام للأمم المتحدة أن يدرج القوات المسلحة الإسرائيلية في تقريره السنوي عن الانتهاكات الجسيمة ضد الأطفال في النزاعات المسلحة لعام 2023 على أنها مسؤولة عن قتل وتشويه الأطفال الفلسطينيين".

جاء ذلك في تقرير كشفت فيه عن قتل الجيش وشرطة الحدود في إسرائيل الأطفال الفلسطينيين "دون أي سبيل فعلية للمساءلة".

وأكدت المنظمة الحقوقية أن عام 2022 كان أكثر الأعوام دموية للأطفال الفلسطينيين في الضفة الغربية منذ 15 عاماً، وعام 2023 مستمر في نفس الوتيرة أو أنه سيتجاوز أعداد 2022، إذ قتلت القوات الإسرائيلية ما لا يقل عن 34 طفلاً فلسطينياً في الضفة الغربية حتى 22 أغسطس/آب.

وحققت هيومن رايتس ووتش في 4 حوادث إطلاق نار تسببت في قتل أطفال فلسطينيين على يد القوات الإسرائيلية بين نوفمبر/تشرين الثاني 2022 ومارس/آذار 2023.

وتُعتبر إسرائيل طرفاً في اتفاقية حقوق الطفل، وبالتالي عليها الوفاء بالتزاماتها تجاه حقوق الإنسان للأطفال، وحسب المادة 38 من نص اتفاقية حقوق الطفل فإن الدول الأطراف بهذه تتعهد بأن تحترم قواعد القانون الإنساني الدولي المنطبقة عليها في المنازعات المسلحة وذات الصلة بالطفل، وأن تضمن احترام هذه القواعد، كما تتخذ الدول الأطراف، وفقاً لالتزاماتها مقتضى القانون الإنساني الدولي بحماية السكان المدنيين في المنازعات المسلحة، جميع التدابير الممكنة عملياً لكي تضمن حماية ورعاية الأطفال المتأثرين بنزاع مسلح.

كما جدد المندوب الدائم لدولة فلسطين لدى الأمم المتحدة رياض منصور في تموز/يوليو الماضي دعوته للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش لإدراج إسرائيل ضمن لائحة من ينتهكون حقوق الأطفال بشكل منهجي في النزاعات المسلحة.

لا محاسبة في الأفق

وحول سبل محاسبة الاحتلال الإسرائيلي على جرائمه ضد الإنسانية والجرائم ضد الأطفال يقول عايد أبو قطيش إنه "أصبح واضحاً أنه ليست عند المجتمع الدولي إرادة سياسية لمحاسبة دولة الاحتلال على جرائمها ضد الأطفال الفلسطينيين".

ويضيف أن "العدوان على غزة أظهر هذا الأمر، إذ إن عدة دول حول العالم ليست فقط صامتة عن الجرائم الإسرائيلية التي تجري ضد الأطفال الفلسطينيين، بل تشارك في هذه الجرائم عبر تقديم الدعم السياسي والدبلوماسي والعسكري والمادي لدولة الاحتلال، وهذا ينطبق أيضاً على غياب الإرادة عند المجتمع الدولي على المحاسبة في حالة الانتهاكات الأطفال الفلسطينيين في الضفة الغربية".

ويبيّن أبو قطيش أن "المجتمع الدولي بإمكانه اللجوء إلى عديد من الآليات وفق القانون الدولي لمحاسبة الاحتلال على هذه الجرائم، إلا أنه للأسف حتى اللحظة كل دول العالم تحاول المحافظة على علاقات سياسية ودبلوماسية مع دولة الاحتلال على حساب التزاماتها القانونية والحقوقية، وعلى هذا الأساس تفلت إسرائيل من العقاب على جرائمها المتكررة ضد الأطفال الفلسطينيين".

وحول تأثير ممارسات إسرائيل في العنف والتمييز وممارسة سياسة الفصل العنصري على جيل الأطفال الناشئ، يؤكد أبو قطيش أن الحالة العامة التي يعيشها الأطفال الفلسطينيون سواء في الضفة الغربية أو في قطاع غزة تؤثر في حياتهم بشكل عام وفي تمتعهم بحقوقهم.

ويردف: "بشكل أساسي نحن نرى أن جميع حقوق الأطفال هي حقوق مترابطة، وأي انتهاك لأي حق من الحقوق يؤثر في تمتع الأطفال الفلسطينيين بحقوقهم الأخرى".

ويصف أبو قطيش أن الجو العام السائد حالياً هو "عدم اليقين" في ما يتعلق بحالة الأراضي الفلسطينية المحتلة سواء قطاع غزة أو الضفة الغربية، لافتاً إلى أن "عدم اليقين هذا يؤثر في طريقة تفكير الأطفال ونظرتهم إلى المستقبل وشعورهم بالأمان في ظل الاحتلال الإسرائيلي".

TRT عربي - وكالات