تابعنا
تربط إسرائيل وفرنسا علاقات تعاون عسكري تاريخية، من خلالها تسلّح باريس جيش الاحتلال الإسرائيلي، وتعمل شركات البلدين على برامج مشتركة لتطوير السلاح، ما يجعل فرنسا متورطة في إبادة غزة.

تربط إسرائيل وفرنسا علاقات تعاون عسكري تاريخية، من خلالها تسلّح باريس جيش الاحتلال الإسرائيلي، وتعمل شركات البلدين على برامج مشتركة لتطوير السلاح، ما يجعل فرنسا متورطة في إبادة غزة، ويدفع عدداً من النشطاء إلى مطالبة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بوقف تسليح إسرائيل.

وفي 16 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أطلق تكتل من النقابات الفلسطينية نداءً دولياً للتضامن والمطالبة بالتحرك من أجل الضغط على الدول الغربية لوقف إمداداتها العسكرية لإسرائيل.

وقال نصّ النداء إنه "مع تصعيد إسرائيل لوتيرة عدوانها العسكري الغاشم، تدعو النقابات العمالية الفلسطينية نظراءها من النقابات العمالية، وجميع أصحاب الضمائر الحية، إلى وضع حدّ لأشكال التواطؤ كافة في جرائم إسرائيل، وبشكل عاجل وقف تجارة الأسلحة معها وجميع أشكال التمويل ولأبحاثها العسكرية".

وشدّد على أنه "لا يمكن وقف هذه الإبادة الجماعية إلا عبر زيادة وتعزيز التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني"، لأنه القادر على "لجم آلة الحرب الإسرائيلية". وأهاب بالمتضامنين حول العالم بـ"رفض تصنيع الأسلحة المخصص بيعها لإسرائيل، ورفض نقل تلك الأسلحة"، وأيضاً "اتخاذ إجراءات ضد الشركات المتواطئة والمنخرطة في تنفيذ حصار إسرائيل الهمجي وغير القانوني على القطاع، ولا سيما إذا كانت لديها عقود مبرمة مع مؤسساتكم".

ولقي هذا النداء آذاناً مصغية في فرنسا، التي تعد أحد موردي السلاح إلى إسرائيل، كما تطور شركات السلاح الفرنسية عدداً من المشاريع مع تل أبيب، ولهذا شكّلت فاعليات نقابية ونشطاء مدنيين فرنسيين تجمعاً للمطالبة بـ"وقف تسليح إسرائيل"، والضغط على حكومة ماكرون لحظر توريدها الأسلحة.

"قفوا تسليح إسرائيل"

وأطلق على هذا التجمع اسم (Stop Arming Israel)، ومنذ تشكيله وهو ينظم احتجاجات في الشارع وأمام أكبر شركات السلاح في فرنسا، للضغط من أجل إيقاف توريد العتاد العسكري إلى إسرائيل، وفك الشراكات بين تلك الشركات ونظيراتها الإسرائيلية في برامج تطوير الأسلحة، كما يقوم نشطاء التجمع بحملات بين العمال، من أجل دفعهم إلى رفض تصنيع الأسلحة المخصصة للتصدير لإسرائيل.

وكانت آخر هذه الحملات تلك التي نُظمت في 11 مارس/آذار الجاري، والتي شملت نحو 12 موقعاً في فرنسا وفق ما صرّح به لويك، منسق التجمّع والعضو التأسيسي فيه.

وقال لويك لـTRT عربي إن "الاحتجاجات التي أطلقناها يوم الاثنين (11 مارس/آذار) قد شملت نحو 12 مدينة، إذ قمنا بالتظاهر أمام مقرات شركات السلاح، مثل مقر شركة سافران ديفانس في باريس، المختصة في صناعة المعدات العسكرية وأسلحة هجومية، والتي عملنا على تحسيس عمالها بضرورة رفض العمل على تلك الأسلحة الموجهة لإسرائيل". وأضاف منسق التجمع أنهم "قاموا بالأمر نفسه في كل من ليون ومرسيليا وسان-نازير وتولوز، إذ استهدف نشاطهم شركات سلاح أخرى ومجمعات صناعية وتمثيلية للاتحاد الأوروبي".

وأوضح لويك، متحدثاً عن نشأة التجمع، أنه أتى استجابة لنداء النقابات الفلسطينية في 16 أكتوبر/تشرين الأول 2023، إذ "جرى تأسيس حركتهم في 15 نوفمبر/تشرين الثاني، استجابة لذلك النداء الدولي، ومنذ ذلك الحين نظموا 30 احتجاجاً، في سبيل الضغط على شركات السلاح وحكومة ماكرون لوقف تسليحها لإسرائيل".

وفي بيان بتاريخ 14 مارس/آذار الجاري حصلت TRT عربي على نسخة منه، أعربت نقابة "الكونفدرالية العامة للشغل" الفرنسية (CGT)، عن تضامنها مع الفاعليات الناشطة في قضية وقف إمداد إسرائيل بالسلاح.

وطالبت النقابة من جانبها بـ"وقف إطلاق نار دائم وفوري في غزة"، و"حظر توريد الأسلحة للجيش الإسرائيلي"، كما دعت إلى "تعبئة عامة من أجل إنهاء الاحتلال وإحلال السلام الدائم في فلسطين".

ومن جانبها، ما لبثت "منصة المنظمات غير الحكومية الفرنسية من أجل فلسطين"، وهي تجمّع للمنظمات الحقوقية الفرنسية المتضامنة مع الشعب الفلسطيني، تطالب بالشفافية بخصوص التعاون العسكري بين فرنسا وإسرائيل، التي من دونها سيكون على البلد أوروبي وقف ذلك التعاون.

وقالت المنصة في منشور سابق: "لا توجد أدوات للتحقق من وجهة أو مصدر المعرفة العسكرية في التبادلات بين إسرائيل وفرنسا، وما دامت هذه الشفافية غير موجودة، فلا بدّ من إعلان وقف التعاون بين البلدين".

وتضيف منصة المنظمات معززة مطلبها بوقف تسليح إسرائيل، بحجة أنه "لا توجد حالياً أي أداة لإظهار أن المعدات المصدرة إلى إسرائيل لم يستخدمها الجيش الإسرائيلي بشكل مباشر، أو دُمجت في أنظمة لقتل الفلسطينيين".

فرنسا وإسرائيل.. علاقات عسكرية تاريخية

تعود العلاقات الفرنسية-الإسرائيلية، بما في ذلك العلاقات العسكرية، إلى أولى سنوات تأسيس إسرائيل، إذ ساندت فرنسا بشكل كبير الحكومة الإسرائيلية الناشئة، ودعمتها بالعتاد العسكري، وعلى وجه أخص باعتها المقاتلات الجوية من طراز ميراج، في إطار التحالف بين البلدين ضد مصر، والتي قادا ضدها عدواناً مشتركاً عام 1956.

إضافة إلى هذا، تعدّ فرنسا الفاعل الرئيسي في صناعة القوة النووية لإسرائيل، عقب زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي ديفيد بن غوريون باريس عام 1954، التي وقع خلالها مع نظيره الفرنسي مذكرة تفاهم حول التعاون العسكري، بما في ذلك تزويد إسرائيل بالتكنولوجيا النووية.

وفي عام 1957، توصلت باريس وتل أبيب إلى اتفاقيات دبلوماسية وفنية، أطلقت فعلياً البرنامج النووي السري الإسرائيلي، إذ أشرف شمعون بيريز على هذا البرنامج، وجرى تمويله من أموال سرية مأخوذة من ميزانية وزارة الدفاع الإسرائيلية.

ووردت فرنسا التكنولوجيا النووية لإسرائيل، وأيضاً الفنيين الذين درّبوا الإسرائيليين على إطلاق البرنامج، هذا إضافة إلى اليورانيوم المخصب، ومفاعل نووي بقدرة 24 ميغاوات، الذي مثّل النواة التأسيسية لمفاعل ديمونة في عام 1958.

ويؤكد المؤرخ والصحفي الفرنسي دومينيك فيدال هذه الأحداث ويقول إن "الفترة من 1948 إلى 1958، كانت فرنسا الحليف الرئيسي لإسرائيل، فقد قادت فرنسا حرباً جنباً إلى جنب مع إسرائيل والمملكة المتحدة في عام 1956".

ويضيف فيدال لـTRT عربي أنه "في هذه المناسبة وخلال التحضير لهذه الحرب، التزمت فرنسا تزويد إسرائيل بوسائل للحصول على السلاح النووي، مدتها بالقنبلة الذرية، ثم القنبلة الهيدروجينية".

لكن سرعان ما فترت هذه العلاقة بين البلدين، وخصوصاً عقب معارضة الرئيس الفرنسي شارل ديغول لمبادرة إسرائيل بالهجوم على مصر عام 1967، إذ يشير المؤرخ الفرنسي بالقول: "لكن وفقط مع وصول الجنرال ديغول إلى الحكم في عام 1958، نشأ التباعد بين فرنسا وإسرائيل بشكل تدريجي".

ويبين فيدال أن "هذا التباعد تسارع مع حرب عام 1967 التي أثّرت بشكل كبير في الجنرال ديغول، لأنه حذّر بوضوح ديفيد بن غوريون، رئيس وزراء إسرائيل وقتها، بأن فرنسا لن تقبل أن يبادر أي من الأطراف إلى الحرب".

ويردف: "لذا، فور تدمير الطيران الإسرائيلي للطيران المصري في 5 يونيو/حزيران 1967، قرر الجنرال ديغول فرض حظر تصدير الأسلحة على إسرائيل، وكان ذلك مشكلة كبيرة لها، إذ كانت معظم أسلحتها، بما في ذلك مقاتلات ميراج، من صنع فرنسي".

وفي المقابل، لم تنتظر إسرائيل الإمدادات العسكرية من فرنسا، ونجحت في تطوير مقاتلة "نيشر" التي تعد نسخة كاربونية لـ"ميراج 5" الفرنسية.

وتشير مصادر تاريخية إلى أن شركة "داسو" ساعدتها سراً في هذه المهمة، كاسرة الحظر الذي فرضته حكومة ديغول، ثم رُفع هذا الحظر في عام 1974، لكن أرقام الصادرات لم تعد للزخم نفسه الذي كانت عليه في الخمسينيات وبداية الستينيات.

كيف تتورط شركات السلاح الفرنسية في إبادة غزة؟

وصنف التقرير السنوي الأخير لمعهد استوكهولم لدراسات السلام (SIPRI)، فرنسا على أنها ثاني أكبر مصدر للسلاح في العالم خلال عام 2023، بحجم صادرات بلغ 27 مليار يورو، وهو ما يمثل 30% من السوق الدولية للعتاد العسكري.

وتمكنت فرنسا من تحقيق هذه الأرقام عبر ترسانتها الصناعية الدفاعية الكبيرة، التي تتشكل من نحو 9 شركات عملاقة، وما يزيد على 4 آلاف شركة صغرى، تحقق مجتمعة رقم معاملات سنوياً يناهز 30 مليار يورو.

ومع هذا، يبقى حجم صادرات فرنسا من السلاح إلى إسرائيل صغير نسبياً، مقابل حجم تجارة السلاح الفرنسية مع دول أخرى من العالم.

وفي دليل مفصل حول التعاون العسكري الفرنسي الإسرائيلي، بيّن تجمع "أوقفوا تسليح إسرائيل" أن فرنسا تورد بمعدل 20 مليون يورو سنوياً من الأسلحة إلى إسرائيل، وارتفعت هذه الصادرات ارتفاعاً نسبياً خلال 2022، إذ سجلت حجم 25.6 مليون يورو سنوياً، مقارنة بـ19.4 مليون يورو التي سجلتها عام 2021.

وبحسب تقرير البرلمان الفرنسي بشأن صادرات السلاح، منحت الحكومة الفرنسية نحو 69 إذن تصدير سلاح إلى إسرائيل في عام 2022، بقيمة إجمالية بلغت نحو 358 مليون يورو.

لكن ليست هذه الصادرات الشكل الوحيد للتعاون العسكري الذي يورط فرنسا في دماء الفلسطينيين، بل دأبت شركات السلاح الفرنسية، خلال العقد الأخير، على إطلاق برامج مشتركة مع نظيراتها الإسرائيلية، من أجل تطوير أسلحة وتقنيات عسكرية، وخصوصاً فيما يتعلق بالتكنولوجيات الحديثة، مثل أنظمة التجسس والمراقبة والمسيّرات الحربية واستخدام الذكاء الاصطناعي في الحرب.

وكشف تحقيق نشره موقع "أوريون 21" عام 2021، أن عسكريين ومهندسين فرنسيين وإسرائيليين يتعاونون على تطوير أسلحة حرب المستقبل، التي تجمع بين القيادة الرقمية والطائرات بدون طيار والروبوتات، في مشاريع يكتنفها غموض تام.

وأشار الموقع إلى أن فرنسا وإسرائيل تطوران بشكل مشترك وسري نظام "تآزر الاتصال المعزز بتعدد الاستخدامات وتثمين المعلومات"، الذي أطلق عليه اسم "سكوربيون".

ويعد نظام "سكوربيون"، الذي تشترك في تطويره شركة "إلبيت سيستمز" الإسرائيلية، نظام قيادة رقمية يعتمد على وصلة مشتركة تسمح للجنود المنتشرين في الميدان، وكذلك للأدوات العسكرية الجديدة مثل الطائرات بدون طيار والروبوتات، بأن تكون متصلة في وقت واحد لتستبق بالتالي ردود فعل العدو.

إضافةً إلى هذا، وحسب ما أشار إليه منسق تجمّع "أوقفوا تسليح إسرائيل" إلى أن شركة "سافران" الفرنسية تعاونت مع نظيرتها الإسرائيلية "إلبيت"، في تطوير مسيرة "هيرميس" التي تُستخدم بشكل واسع في حرب الإبادة الحاصلة في غزة، كما عملت الشركة نفسها على إنتاج منظار قتالي مع خاصية تحديد الأهداف للمُسيّرات، وجرى تطويره كذلك بالتعاون مع شركات إسرائيلية.

وتبيع الشركات الفرنسية أيضاً السلاح إلى إسرائيل عبر وسطاء وفروع لها خارج فرنسا، مثل فرع شركة "تاليس" في بريطانيا الذي يبيع شركة "إلبيت" الإسرائيلية قطعاً تدخل في تركيب مُسيّرة "هرميس 450" الإسرائيلية، وفرع شركة "نيكستر" في إيطاليا، الذي يبيع صواريخ إلى إسرائيل، وهناك فرع شركة "MBDA" في ألمانيا الذي يتعاون مع شركة إسرائيلية.

TRT عربي