تابعنا
وثقت أبحاث لجنة حماية الصحفيين نمطاً ثابتاً من مهاجمة جيش الاحتلال الإسرائيلي للصحفيين الذين يرتدون شارات صحفية مرئية، حتى قبل الحرب على غزة التي بدأت في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، إلّا أن هذه الحرب كانت الأعلى تسجيلاً للضحايا من الصحفيين.

في إضافة أخرى إلى سجلّ القتل والاستهدافات التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي ضد الصحفيين خلال حربه على غزة، أُصيب في 12 أبريل/نيسان الحالي المصور الصحفي سامي شحادة، الذي كان برفقة فريق TRT عربي في أثناء عملهم بمخيم النصيرات وسط القطاع.

أدى الاستهداف إلى إصابة شحادة بجروح خطيرة، بُترت ساقه على إثرها في ما بعد، كما أصيب مراسل TRT عربي سامي برهوم بإصابات طفيفة، رغم أن الفريق كان في مكان غير مغلق وكانت إشارات الصحافة واضحة.

لا يُعتبر استهداف الاحتلال الإسرائيلي للصحفيين أمراً جديداً، إذ وثقت أبحاث لجنة حماية الصحفيين (Committee to Protect Journalists) نمطاً ثابتاً من مهاجمة جيش الاحتلال الإسرائيلي للصحفيين الذين يرتدون شارات صحفية مرئية، حتى قبل الحرب على غزة التي بدأت في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، إلّا أن هذه الحرب كانت الأعلى تسجيلاً للضحايا من الصحفيين.

وحسب آخر بيان لمنظمة مراسلون بلا حدود، قُتل ما لا يقلّ عن 103 صحفيين في الغارات الإسرائيلية على غزة خلال الأشهُر الخمسة الأولى من الحرب في حصيلة لواحدة من أكثر الحروب دموية على الإطلاق بالنسبة إلى وسائل الإعلام، وقُتل ما لا يقلّ عن 22 من هؤلاء الصحفيين في أثناء عملهم، فيما كشفت بيانات المكتب الإعلامي الحكومي في غزة أن 140 صحفياً استُشهدوا خلال الحرب التي بدأت في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وفي دلالة واضحة لسعي إسرائيل للحدّ من تغطية الصحفيين للفظائع التي ترتكب في غزة، قال جيش الاحتلال الإسرائيلي لوكالة رويترز ووكالة الأنباء الفرنسية في أكتوبر/تشرين الأول 2023 إنه لا يستطيع ضمان سلامة الصحفيين العاملين في قطاع غزة، وذلك في سياق حصول تلك الوكالات الإخبارية على ضمانات بأن صحفييهم لن يُستهدفوا بالضربات الإسرائيلية.

"كنا مستهدفين بشكل مباشر"

ويروي الصحفي المصور سامي شحادة تفاصيل الاستهداف ويقول: "كنت مع الزميل سامي برهوم في طريقنا لتغطية نزوح المواطنين بعد توغل الآليات في شمال منطقة النصيرات في منطقة مخيم الجديد يوم الجمعة 12 أبريل/نيسان، ونحن نستعدّ للتصوير أطلقوا علينا قذيفة دبابة، بترت قدمي في اللحظة نفسها في المكان، والزميل سامي كانت إصابته طفيفة، الحمد لله".

وعن ظروف الاستهداف يضيف: "كنا في منطقة مكشوفة، وكان موجود إلى جانبنا كثير من الصحفيين، يبتعدون عنا أمتاراً قليلة، لم نكُن نشكل أي خطر على الجيش الإسرائيلي المتوغل في المكان، وكان بعيد جداً عنا، حتى لم نرَ الدبابات بأعيننا تقريباً مسافة 3 كيلومترات، لكنهم أطلقوا علينا قذيفة دبابة، ويبدو أننا كنا مستهدفين بشكل مباشر".

وحول اللحظات الأولى بعد الاستهداف يتابع شحادة: "حاولت إجراء إسعافات أولية لنفسي في مكان الاستهداف، فخلعت حزام بنطالي وربطه على ساقي وأحكمت شده كي أوقف نزيف الدم الكثير، وزحفت نحو مترين لكي أقترب من زملائي الذين ابتعدوا من قوة الضربة والذين حاولوا أيضاً إسعافي في المكان إلى حين وصول سيارة الإسعاف، ثم رفعوني وابتعدنا عن مكان القصف".

ورغم هول المصيبة فإن شحادة لم يغِب عن وعيه بتاتاً وكان مدركاً لكل شيء، ويؤكد: "كنت واعياً تماماً لكل ما كنت أتحدث عنه، لم أفقد الوعي ولو لثانية من أول تعرُّضنا للقصف إلى أن أُدخلت إلى غرفة العمليات، وكنت على اطلاع على كل شيء".

ونُقل سامي شحادة إلى مستشفى العودة في النصيرات، ثم نُقل بالإسعاف إلى مستشفى شهداء الأقصى في دير البلح، وهناك أُجريت له عملية جراحية وهي بتر القدم، إذ قرر الطاقم الطبي بتر قدمه من فوق الركبة نظراً إلى تهشم العظام والأنسجة التالفة.

خرج شحادة من العملية التي استمرت ثلاث ساعات، وهو الآن موجود في المستشفى بانتظار التحويلات الطبية للذهاب إلى تركيا لاستكمال العلاج وزراعة طرف صناعي حتى يستطيع إكمال عمله الذي ما زال يحبه ويعمل فيه منذ 16 عاماً.

ويختتم بقوله: "شاهدت عديداً من الحروب لكن لم أشهد مثل هذه الحرب، كنت موجوداً في جميع الأماكن التي توغلت فيها القوات الإسرائيلية من الشمال إلى الجنوب، وكنت أتنقل من المحافظات إلى أن نزحنا إلى الجنوب. الحمد لله على كل حال، أنا راضٍ بنصيبي".

بدوره يصف مراسل قناة TRT عربي سامي برهوم ذلك اليوم الذي كان التاسع والثمانين بعد المئة من أيام الحرب على غزة بأنه "يوم مفصلي" في حياته المهنية.

ويقول برهوم: "باغتتنا قذيفة صاروخية من دبابة إسرائيلية استهدفتنا بشكل مباشر ومتعمد ونحن في مهمة ميدانية بمخيم النصيرات شمال غرب المحافظات الوسطى، وصلنا إلى هناك بسيارة عليها كل الإشارات الصحفية، ووقفنا بلباس متكامل من الخوذة والدرع واتخذنا مكاناً مفتوحاً ومكشوفاً أمام الجيش الإسرائيلي ودباباته غير المرئية لنا وقتها".

ويضيف: "مجرد البدء بالحديث عن الأوضاع الميدانية في مخيم النصيرات سقطت بين أقدامي وأقدام زميلي المرافق والمصور سامي شحادة قذيفة من دون سابق إنذار، لقد دفعتني لأمتار، وفي عشر ثوانٍ شاهدت على يميني الزميل سامي شحادة يصرخ وينزف وساقه اليمنى مبتورة بجانبه".

ويصف الاستهداف بأنه "كان دقائق من الموت. قصف ودماء وصراخ، ومحاولة الإنقاذ والخروج سالمين. لقد نجونا، لكن علامات الاغتيال المتعمد لنا نحن الصحفيين لا تزال تلاحقنا جسدياً ونفسياً"، مؤكداً أن الاحتلال الإسرائيلي يعلم أنهم صحفيون ويعلم الجنود أنهم باتوا ملزمين قتلهم، وأضاف: "لقد اعتاد العالم المشهد، وقُتل عشرات منا، والجميع كأن على رؤوسهم الطير!".

تنديدات ومطالبات بتحقيق مستقل

لقي الاستهداف عديداً من ردود الفعل والتنديدات المحلية والدولية ومن المنظمات الحقوقية المعنية في سلامة وحرية الصحفيين، فضلاً عن المطالبات بتحقيقات مستقلة وإلزام إسرائيل ضمان حماية الصحفيين العاملين في القطاع.

وقال رئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية فخر الدين ألطون في يوم الاستهداف إنّ جيش الاحتلال الإسرائيلي تعمّد استهداف فريق TRT عربي في غزة، مشيراً إلى أن الاحتلال الإسرائيلي تقصّد استهداف الفريق في غزة، وأن هذه المذبحة لم تكن جديدة، بل هي متواصلة منذ سنوات.

كما أدان المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية عمر جليك الاستهداف، واصفاً جيش الاحتلال الإسرائيلي بأنه "يقتل الفلسطينيين بوحشية في قطاع غزة، ويستهدف الصحفيين الذين ينقلون صورة الوضع الإنساني هناك إلى العالم".

وعلى الصعيد الدولي طالب المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك بإجراء تحقيق "شفاف وموثوق" في الهجوم الإسرائيلي على طاقم TRT عربي في غزة، وقال في بيان مكتوب إنّ "هذا الحادث يُظهِر بوضوح المخاطر التي يواجهها الصحفيون في غزة".

وأضاف أن الصحفيين، ومن بينهم الذين يعملون لدى TRT في غزة، يواجهون صعوبات في فلسطين والسودان وعديد من الأماكن الأخرى، مشيراً إلى أن الصحفيين في جميع أنحاء العالم يسعون جاهدين للقيام بعملهم.

بدورها أكدت وزارة الخارجية الأمريكية في تصريحات خاصة لوكالة الأناضول في 13 أبريل/نيسان أنها ستواصل جهودها لحماية الصحفيين في قطاع غزة، وأشار مصدر من الخارجية إلى أنهم "كانوا واضحين للغاية بشأن مسألة حماية الصحفيين، وأنه يتعين على إسرائيل أن تبذل مزيداً في هذا الصدد".

بدورها دعت لجنة حماية الصحفيين إلى إجراء تحقيق مستقل في الهجوم الإسرائيلي على أربعة صحفيين في مخيم النصيرات في 12 أبريل/نيسان الجاري، كان ضمنهم صحفيو TRT عربي.

وقال مدير برنامج اللجنة كارلوس مارتينيز دي لا سيرنا في نيويورك إن "لجنة حماية الصحفيين تُدين الهجوم الإسرائيلي في غزة على مجموعة من الصحفيين الذين يرتدون شارات صحفية، ما أدى إلى بتر ساق المصور سامي شحادة من قناة TRT التركية".

وأضاف أن تجاهل الجيش الإسرائيلي للشارات الصحفية، سواء بعد أو قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، يعرض حياة الصحفيين للخطر، مؤكداً وجوب إجراء تحقيق مستقل في هذا الحادثة ومحاسبة المسؤولين عن الهجوم.

استهداف الصحفيين وسُبل المحاسبة

تنص المادة 79 من البروتوكول الإضافي الملحق باتفاقية جنيف 1949 لحماية المدنيين بالنزاعات العسكرية على أن الصحفيين المدنيين الذين يؤدون مهماتهم في مناطق النزاعات المسلحة يجب احترامهم ومعاملتهم كمدنيين، وحمايتهم من كل شكل من أشكال الهجوم المتعمد.

وحسب اللجنة الدولية للصليب الأحمر فإن الصحفيين يتمتعون بحكم وضعهم كمدنيين بحماية القانون الدولي الإنساني من الهجمات المباشرة شريطة ألّا يشاركوا مباشرة في الأعمال العدائية، وتشكل أي مخالفة لهذه القاعدة انتهاكاً خطيراً لاتفاقيات جنيف وبروتوكولها الإضافي الأول، فضلاً عن أن التعمد في توجيه هجوم مباشر ضد شخص مدني يرقى أيضاً إلى جريمة حرب بمقتضى نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.

ويوضح أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية رائد أبو بدوية أنه لا يوجد نصوص في القانون الدولي في حالات الصراعات المسلحة تضمن حماية الصحفيين بالذات، إلّا أنهم مشمولون ضمن فئة المدنيين، وبالتالي يمنع القانون الدولي على الأطراف المتصارعة استهداف المدنيين ومن ضمنهم الصحفيون، خصوصاً إذا كانوا يحملون الإشارات.

ويقول أبو بدوية لـTRT عربي إنه في القانون الدولي الإنساني يعتبر كل استهداف لأهداف غير عسكرية جريمةَ حرب يحاسب عليها القانون الدولي الإنساني ومن ضمن اختصاصات محكمة الجنايات الدولية.

ويوضح أن في موضوع الاستهداف في القانون الدولي الإنساني مبدأين، المبدأ الأول هو "التمييز"، إذ يجب على قوات الاحتلال أن تميز ما بين الهدف العسكري وغير العسكري وأن تتجنب الاستهداف غير العسكري مثل المدنيين أو المؤسسات المدنية والمساكن المدنية أو حتى المؤسسات الصحفية، التي تسمى بـ"الأعيان المدنية".

أما المبدأ الثاني فهو "مبدأ التناسبية"، أي إنه يجب أن تكون الأسلحة والقوة المستخدمة ضد الأهداف العسكرية تتناسب مع الهدف العسكري، بمعنى أنه لا يكون هناك تجاوز للأضرار المحتملة للمدنيين أو الصحفيين.

ويشير أبو بدوية إلى أن "جيش الاحتلال يمكن أن يدّعي أنه في مكان ما يوجد مقاتلون لكن في الوقت نفسه يوجد في المبنى صحفيون، في هذه الحالة يجب الامتناع عن الاستهداف، لأنه لم تُستخدم القوى المتناسبة بحيث إنها لا تتجاوز الأضرار الهدف العسكري. لكن خلال الحرب لم تطبق إسرائيل في حالات كثيرة في قطاع غزة مبدأ التمييز، بل استهدفت المدنيين بشكل مقصود وبالقوة المفرطة".

ويضيف أستاذ القانون الدولي أن هناك أكثر من سابقة إسرائيلية لاستهداف الصحفيين، مثل مقتل مراسلة قناة الجزيرة شيرين أبو عاقلة عام 2022، رغم أنهم يعلمون أن المستهدفين مجموعة من الصحفيين.

ووفق أبو بدوية، "توجد نيات مبيتة لاستهداف الصحفيين، وهذا يعزز فكرة جريمة الحرب أكثر، وواضح أن الجيش الاسرائيلي منزعج من نقل الوقائع ونقل الجرائم والتغطية الصحفية".

وحول سبل المحاسبة يبيّن أن محكمة الجنايات الدولية هي الجهة القضائية الدولية الوحيدة التي تحاسب المسؤولين السياسيين الإسرائيليين أو حتى المسؤولين العسكريين في ارتكاب جرائم حرب تخص المدنيين والصحفيين، لأنها الجهة القضائية التي تحاسب الأفراد.

ويشير أبو بدوية إلى أنه من تثبت مسؤوليته المباشرة لإصدار أوامر إطلاق النار على الصحفيين واستهدافهم أو قتل المدنيين هو من يحاسب أمام محكمة الجنائية.

ولعدم الإفلات من العقاب يجب على المؤسسات الحقوقية أو حتى الحكومات أن ترفع تقاريرها إلى الادعاء العام في محكمة الجنايات حتى يضم هذه الملفات إلى التحقيقات الجارية وسارية المفعول في محكمة الجنايات الدولية، لكن المدعي العام حتى هذه اللحظة لم يقدم لوائح اتهام واضحة أمام الهيئة القضائية في محكمة الجنايات الدولية، وفق أبو بدوية.

ويؤكد أنه في حالة تقديم المدعي العام اتهامات واضحة ومن ثم إصدار مذكرات اعتقال بحق أشخاص معينين يمكن اعتقال هؤلاء الأشخاص ما إنْ غادروا إلى دولة عضو في ميثاق روما، لعدم وجود صلاحيات لمحكمة الجنايات داخل إسرائيل، إلّا أن أي أمر قضائي لاعتقالهم سيعمم في كل الدول الأعضاء في اتفاقية ميثاق روما، وهو المؤسس لمحكمة الجنايات الدولية.

ويلفت إلى أن إسرائيل ليست عضواً في ميثاق روما، لكن رغم ذلك بإمكان محكمة الجنايات الدولية محاسبتها لأن الجرائم التي ترتكبها ضمن نطاق الأراضي الفلسطينية المحتلة، ودولة فلسطين هي عضو في الميثاق، وبالتالي سبل المحاسبة والمحاكمة ممكنة.

TRT عربي