تغيير جذري ينتظر المؤسسة العسكرية الإسرائيلية سواء في شكل قياداتها وخلفياتهم السياسية والأيديولوجية، أو حتى في شكل عملها وطبيعته. / صورة: Reuters (Reuters)
تابعنا

أظهرت نتائج استطلاع رأي نشرته صحيفة معاريف العبرية يوم الجمعة 26 أبريل/نيسان الحالي أن 63% من الإسرائيليين يعتقدون أن الوقت قد حان لتستقيل قيادة الجيش الإسرائيلي وتتحمل مسؤولية الإخفاق الأمني في 7 أكتوبر.

منذ اليوم الأول لمعركة طوفان الأقصى كان واضحاً أن قيادة الجيش الإسرائيلي الحالية ليست فقط أمام استحقاق الاستقالة، بل والمحاسبة، فحجم الإخفاق العسكري والأمني وأثره الاستراتيجي في دولة الاحتلال الإسرائيلي يحتمان هذا التوجه.

وقد نقلت وسائل إعلام إسرائيلية في شهر يناير/كانون الثاني الماضي أن الجيش بدأ بإجراء تحقيقات داخلية حول إخفاق السابع من أكتوبر، وعيّن لجنة ضمّت في صفوفها رئيس الأركان السابق شاؤول موفاز، والرئيس السابق لوكالة الأمن القومي زائيفي باركاش، والقائد السابق لقيادة الجيش الجنوبية سامي ترجمان.

هذه اللجنة الداخلية قد لا تكون بديلة عن لجان حكومية أو قضائية سوف يجري تشكيلها بعد الحرب للنظر في الأداء السياسي والعسكري، ومن المتوقع أن تشمل كل المستويات السياسية والعسكرية في دولة الاحتلال، على الرغم من أن خطابات الاستقالة أو المسؤولية لا تظهر حالياً إلا من داخل المؤسسة العسكرية والأمنية، فيما يتجنب السياسيون أي تصريحات من هذا النوع.

البدء من "أمان"

لم تكُن استقالة رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية (أمان) اللواء أهارون حاليفا، التي تقدم بها يوم الاثنين 22 أبريل/نيسان الحالي بالمفاجأة، فإخفاق الجهاز في قراءة نيات حركة حماس والتنبؤ بهجوم 7 أكتوبر، وعجزه عن قراءة مؤشراته، جعلا منه العنوان الأهم لحالة الفشل التي مُنيت بها المؤسسة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية.

حاليفا الذي أرجأ استقالته لمدة 6 أشهر بسبب الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة قرر أن ينهي مهامه في قيادة الاستخبارات العسكرية، مشيراً في وثيقة استقالته التي قبلها رئيس الأركان هرتسي هاليفي، وصدّق عليها وزير الدفاع يؤاف غالانت، إلى أنه سوف يحمل "ذلك اليوم الأسود (7 أكتوبر) معي، يومًا بعد يوم، وليلة بعد ليلة، سأحمل معي إلى الأبد الألم الرهيب للحرب".

تتبع شعبة الاستخبارات إدارياً هيئة الأركان العامة في الجيش الإسرائيلي، لكنها تعمل بشكل مستقل عن مؤسسة الجيش، وتحتل موقعاً هاماً في بنية التقدير الاستراتيجية الإسرائيلي، فهي المقدر النهائي للوضع الاستراتيجي الذي تمرّ به إسرائيل. ويدير الشعبة ضابط برتبة لواء، ويكون عضواً في هيئة الأركان العامة لقيادة الجيش. وتشغل شعبة الاستخبارات العسكرية مجموعة من الوحدات، أشهرها 8200 المسؤولة عن استخبارات الإشارة (SIGINT)، بالإضافة إلى لواء الأبحاث الذي يلعب دوراً هاماً في عملية التقدير الاستراتيجي.

وبهذه الاستقالة يكون حاليفا أول عضو هيئة أركان عامة في الجيش الإسرائيلي يخسر موقعه بعد عملية طوفان الأقصى، ووفقاً لمصادر إعلامية ومحللين إسرائيليين تُتهم قيادة الاستخبارات العسكرية بتجاهل مؤشرات على نية حركة حماس الهجوم، رفعها ضباط في الجهاز قبل 7 أكتوبر، كان آخرها قبل الهجوم بثلاث ساعات، وقتها رفض حاليفا الذي كان في إجازته على البحر الأحمر التعاطي معها بجدية.

تاريخياً، تحمل شعبة الاستخبارات ثقل عدد من الإخفاقات، لعل أبرزها فشلها في قراءة النيات العربية قبل حرب 1973، ففي ذلك الوقت قللت شعبة الاستخبارات من إمكانية ذهاب مصر نحو حرب مع إسرائيل، وكان آخر إخفاقات الشعبة تقديرها لطبيعة الرد الإيراني على الهجوم على القنصلية الإيرانية في دمشق، الذي رأت أنه لن يتجاوز هجمات يقوم بها "وكلاء إيران"، فيما جاء الهجوم أكبر ومن الأراضي الإيرانية مباشرة.

قائد المنطقة الوسطى

خبر الاستقالة الثاني جاء من قائد المنطقة الوسطى في الجيش الإسرائيلي يهودا فوكس، الذي قالت مصادر إعلامية إنه ينوي الاستقالة من الجيش في شهر أغسطس/آب المقبل على الرغم من أنه لا يتحمل بشكل مباشر مسؤولية الإخفاق في هجوم 7 أكتوبر، فهو يقود المنطقة الوسطى التي تغطي محافظات ومدن الضفة الغربية البعيدة عن غزة.

ووفقاً لصحيفة يديعوت أحرونوت العبرية، يرتبط يهودا فوكس بعلاقة قوية مع رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية أهارون حاليفا، ورجحت الصحيفة أن استقالة فوكس جاءت بسبب "الأجواء الصعبة التي يمرّ بها الجيش الإسرائيلي"، مشيرة إلى أن الجنرال الذي قاد عمليات الجيش خلال فترة حساسة قبل وبعد هجوم 7 أكتوبر في الضفة الغربية كان مرشحاً لأن يحتل موقعاً مميزاً في هيئة الأركان العامة.

وتولى فوكس قيادة المنطقة الوسطى في الجيش الإسرائيلي في شهر أغسطس/آب 2021، وخلال فترة توليه قيادة المنطقة أطلق جيش الاحتلال عملية كاسر الأمواج للتعامل مع تصاعد العمل العسكري في محافظات الضفة الغربية، جرى خلالها تنفيذ مجموعة من عمليات الإغارة على مخيمات ومدن الضفة الغربية وتحديداً في شمالها.

كما ضاعف جيش الاحتلال بعد عملية طوفان الأقصى وجوده في محافظات الضفة ووصل إلى مشهد شبيه بالوضع الذي كانت عليه إبان انتفاضة الأقصى من حيث عدد ونوعية وطبيعة انتشار جيش الاحتلال.

ومع ذلك واجه يهودا فوكس قيادات اليمين الاستيطاني في أكثر من مناسبة، تعرض بها لتهديدات بالقتل، ما دفع قيادة الشاباك إلى تشديد الإجراءات الأمنية حوله، كما نقلت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية. وأمام دعوات الإقالة التي أطلقها قادة اليمين الإسرائيلي بعد أن فككت قوات الاحتلال عدداً من البؤر الاستيطانية، دعم رئيس أركان جيش الاحتلال ورئيس إسرائيل يهودا فوكس.

في انتظار نهاية الحرب

مجموعة كبيرة من الضباط ينتظر استقالتهم من المؤسسة الأمنية والجيش الإسرائيلي، لعل أبرزهم رئيس الأركان الحالي هرتسي هاليفي، الذي تولى رئاسة الأركان العامة في شهر يناير/كانون الثاني 2023 وتستمر ولايته في الوضع الطبيعي لمدة 3 سنوات.

وأوضحت صحيفة يديعوت أحرونوت أن "ما لا يقل عن أربعة جنرالات أبلغوا رفاقهم نيتهم الاستقالة من الجيش". من هؤلاء يأتي قائد فرقة غزة العميد آفي روزنفيلد الذي تلقت قواته الضربة الأهم خلال عملية طوفان الأقصى، وقالت الصحيفة إن قائد فرقة غزة ينتظر انتهاء مهامه في الحرب الحالية وعلى رأسها إنشاء المنطقة العازلة ما بين مستوطنات غلاف غزة والقطاع. ومن المرجح كذلك استقالة قائد المنطقة الجنوبية الجنرال يارون فينكلمان الذي تقع فرقة غزة ضمن قواته، وتدير المنقطة الجنوبية بحكم الاختصاص الجغرافي الحرب في قطاع غزة.

كما أشارت وسائل إعلامية إلى إمكانية أن تشمل موجة الاستقالات قائد شعبة العمليات في جيش الاحتلال ونائب رئيس هيئة الأركان ومجموعة من ضباط شعبة الاستخبارات العسكرية.

وفي هذا الإطار تبرز قضية التوقيت الذي يرتبط باللحظة التي يمكن القول فيها إن الحرب انتهت، وتقدر صحيفة يديعوت أحرونوت أن ذلك ممكن بعد انتهاء عملية رفح، والانتقال إلى المرحلة الثالثة من الحرب في جميع مناطق غزة.

الاستقالات لن تكون حصراً على المؤسسة العسكرية، بل سوف تمتد إلى المؤسسة الأمنية وتحديداً جهاز الشاباك الذي أعلن رئيسه رونين بار منذ الأسابيع الأولى لعملية طوفان الأقصى تحمّله مسؤولية الفشل بالتنبؤ بالهجوم، كما ذكر رئيس الجهاز السابق يعقوب بيري أن بار يعتزم الاستقالة من منصبه بعد انتهاء الحرب.

الجدير بالذكر أن قطاع غزة يخضع لمنطقة نفوذ جهاز الشاباك الأمنية الذي يتميز بمصادره البشرية، ومع ذلك فشل في التحذير أو التنبؤ بالهجوم الذي نفذته المقاومة الفلسطينية من قطاع غزة، ما يجعله من أكثر الجهات تعرضاً للوم.

من يملأ الفراغ؟

من الواضح أن جزءاً كبيراً من قيادة الجيش وعلى رأسهم رئيس هيئة الأركان يتجه إلى الاستقالة من منصبه تمهيداً للجان تحقيق داخلية أو قضائية، بدأ النقاش إسرائيلياً حول تعيين بدلائهم في قيادة الجيش، فهل يقوم بهذه المهمة رئيس الأركان الحالي ومن ثم الاستقالة أو ترك ذلك لرئيس الأركان المقبل؟

في هذا الإطار رحّب وزير المالية وزعيم حزب الصهيونية الدينية بتسلئيل سموتريتش باستقالة رئيس الاستخبارات العسكرية، ودعا إلى إجراء إصلاحات جوهرية في قيادة الجيش، ورفض سموتريتش أن يعيّن رئيس الأركان هرتسي هاليفي "ومَن فشلوا بدلاء على شاكلتهم"، مضيفاً أن القيادة الجديدة للجيش يجب أن تكون من " القادة الذين أثبتوا أنفسهم تحت النار لتشكيل جيش كبير هجومي وفتاك".

في هذا الإطار رحّب وزير المالية وزعيم حزب الصهيونية الدينية بتسلئيل سموتريتش باستقالة رئيس الاستخبارات العسكرية، ودعا إلى إجراء إصلاحات جوهرية في قيادة الجيش، ورفض سموتريتش أن يعيّن رئيس الأركان هرتسي هاليفي "ومَن فشلوا بدلاء على شاكلتهم"، مضيفاً أن القيادة الجديدة للجيش يجب أن تكون من " القادة الذين أثبتوا أنفسهم تحت النار لتشكيل جيش كبير هجومي وفتاك".

يرجع الباحث والصحفي الفلسطيني أحمد العاروري حماسة ورغبة سموتريتش لقضية التعيينات الجديدة في الجيش الإسرائيلي إلى أجندة تيار الصهيونية الدينية الذي يسعى في السنوات الأخيرة إلى "إجراء انزياح أو تغيير في الهرم القيادي العسكري لصالح ما يؤمن به على المستوى السياسي والأمني في جوهر الصراع".

ويضيف العاروري أن التيار يشهد في الفترة الأخيرة صعوداً في الجيش، "خصوصاً في الوحدات القتالية، وافتخر خلال الحرب على غزة بمشاركة كثير من المحسوبين عليه فيها"، ومن هنا يمكن تفسير دعوة سموتريتش إلى أن تتولى المناصب القيادية في الجيش قيادات شاركت في الحرب الأخيرة.

وهذا ما أشار إليه المحلل العسكري الإسرائيلي عاموس هارئيل في مقاله في صحيفة هآرتس العبرية، الذي أشار فيه إلى سعي سموتريتش وقيادة الصهيونية الدينية لإعادة تشكيل الجيش وتعزيز نفوذ تيارهم وفرض تصوراتهم السياسية والأخلاقية على الجيش.

وبغضّ النظر عن شكل التعيينات العسكرية التي سوف يشهدها جيش الاحتلال في الفترة المقبلة، يظهر أنّ تغييراً جذرياً ينتظر المؤسسة العسكرية الإسرائيلية سواء في شكل قياداتها وخلفياتهم السياسية والأيديولوجية، أو حتى في شكل عملها وطبيعته.

TRT عربي