تابعنا
منذ بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة بعد طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، شهدت حملات مقاطعة المنتج الإسرائيلي تفاعلاً غير مسبوق ليس على الصعيد الفلسطيني وحسب وإنما عربيّاً وعالميّاً كذلك

"منّا وفينا" و"منتج وطني"، ملصقات باتت تنتشر في الأسواق أو على المنتج الفلسطيني في الضفة الغربيّة في مبادرات لتشجيع دعم المنتج الوطني ومقاطعة المنتج الإسرائيلي.

ومنذ بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة بعد طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، شهدت حملات مقاطعة المنتج الإسرائيلي تفاعلاً غير مسبوق ليس على الصعيد الفلسطيني وحسب وإنما عربيّاً وعالميّاً كذلك.

ويقدَّر حجم التصدير الإسرائيلي للسوق الفلسطينية بنحو ثلاثة مليارات دولار سنوياً، وتأتي السوق الفلسطينية في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة من حيث التسويق للمنتجات الإسرائيلية.

لا مجال للتطبيع

في هذا السياق، يقول الخبير الاقتصادي الدكتور نصر عبد الكريم، إن الفلسطينيين وصلوا إلى قناعة أنه لا يمكن التعايش أو التطبيع مع الاحتلال، فأحد أشكال المقاومة السلمية الذي يمكن للجميع الانخراط فيها هي مقاطعة المنتج، سواء الإسرائيلي أو الصادر عن المستوطنات الإسرائيلية المقامة في الضفة الغربية.

ويضيف عبد الكريم لـTRT عربي أن شعور المواطن حول ما يجري هو "معركة كسر عظم" مرتبطة بفظائع الجرائم الإسرائيلية في قطاع غزة وما تتبعها من اعتداءات في الضفة الغربية، أدى إلى تغيير في السلوك الفلسطيني، بالإضافة إلى تراكم الوعي بسبب حملات المقاطعة السابقة وجهود "حركة مقاطعة إسرائيل"، (BDS)، ما جعل هذه اللحظة مناسبة لهذا النوع من المقاومة.

ويرى الفلسطينيون أن اتفاقية باريس، وهي البروتوكول الاقتصادي الملحق باتفاقية أوسلو التي وقَّعتها السلطة الفلسطينية وإسرائيل بباريس في 29 أبريل/نيسان 1994، أنها بمثابة المصيدة التي جنت على الاقتصاد الفلسطيني وعرقلت تقدمه في ظل بنودها التي تمنح السيطرة للإسرائيليين.

ملصقات باتت تنتشر في الأسواق أو على المنتج الفلسطيني في الضفة الغربيّة في مبادرات لتشجيع دعم المنتج الوطني

لماذا تصاعدت المقاطعة الاقتصادية؟

ويقول المنسق العام لحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات "BDS" محمود نواجعة، إن حملات مقاطعة المنتج الإسرائيلي اتسعت بشكل غير مسبوق بعد الحرب على غزة ووصلت إلى حالة من "الاستغناء"، ويمكن اعتبار الوضع الحالي نقطة تحول في مسار حركة المقاطعة.

ويلفت نواجعة في حديثه مع TRT عربي إلى عدم إمكانيّة تراجع هذه الحالة بشكل كبير بعد انتهاء الحرب، بسبب دخول منتجات فلسطينية جديدة إلى الأسواق تسدّ حاجة المواطن.

ويؤكد أن حملات المقاطعة أحدثت تغيراً جوهرياً في طبيعة العلاقة بين المنتج والمستهلك الفلسطيني، ولم تعد تقتصر على المنتجات الغذائية الأكثر استهلاكاً واستيراداً من السوق الإسرائيلية بل تجاوزت إلى منتجات البلاستيك والمنظفات والأدوية، وخرجت من نطاق قطاعات معينة إلى قطاعات شاملة وصلت إلى مقاطعة شركات عالمية تتورط دولها في جريمة الإبادة الجماعية بشكل مباشر أو في تأييد هذه الجريمة.

أما المؤشر الأهم فهو عدم وجود خلاف فلسطيني على جدوى المقاطعة والإيمان بدورها وتأثيرها كأحد أشكال المقاومة ومظهر من مظاهر العصيان، وفق نواجعة.

المقاطعة.. ثقافة يقودها الأطفال

بدوره يقول رئيس جمعية حماية المستهلك صلاح هنية، إن مقاطعة المنتج الإسرائيلي تعد جزءاً مهماً من تدعيم عوامل الصمود الفلسطيني في مواجهة الاحتلال.

ويؤكد هنية لـTRT عربي أن المشهد أصبح واضحاً في السوق، وأن المنتج الإسرائيلي بات أقل حضوراً، تحديداً في قطاعي الألبان والعصائر اللذين شكّلا مشكلة كبيرة تاريخياً، مقابل ارتفاع الطلب على المنتج الفلسطيني، ما دفع التجار والموزعين إلى السعي لتوفيرها مقابل التقليل من نسبة تعاملهم مع المنتج الإسرائيلي.

ويلفت إلى أن المقاطعة تحولت إلى ثقافة ملموسة واتسعت دائرة المنتجات المشمولة فيها، وتحديداً الزراعية، والاتجاه أكثر نحو دعم التعاونيات والمزارع الفلسطينية. كما بدأت المؤسسات والشركات العاملة في فلسطين تعتمد على منتجات فلسطينية في تجهيز مكاتبها.

وينوه هنية إلى أن جمعية حماية المستهلك تواصلت مع اتحادات الصناعات الفلسطينية والجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني وتبيّن أن الحصة السوقية للمنتج الفلسطيني ونسبة مبيعات المنتجات الفلسطينية ارتفعت رغم الوضع الاقتصادي الصعب.

ويلفت هنية إلى أن المشهد الأجمل والأكثر تأثيراً هو رؤية الأطفال في المدارس وفي الأسواق ملتزمين بشراء منتج فلسطيني ويمتلكون ثقافة كافية لتمييز المنتجات، مؤكداً أن "المقاطعة تحولت إلى ثقافة داخل المنازل".

توظيف مواقع التواصل

أما مريم داغر، وهي شابة فلسطينية من مدينة رام الله، تنشط في حملات مقاطعة المنتج الإسرائيلي منذ سنوات، فتقول إن "بشاعة ما يجري في قطاع غزة أسهم في التزام الناس هذه المرّة بمقاطعة المنتج الإسرائيلي"، مؤكدةً أن المقاطعة سلاح قوّي قادر على التأثير والتغيير ليس فقط على المستوى الفلسطيني وإنما عربيّاً وعالميّاً أيضاً.

وتوضح في حديثها مع TRT عربي أن توعية الجمهور والتفاعل معه يُعدّان جزءاً مهماً لضمان نجاح واستمرارية حملات المقاطعة، ما دفعها لإنشاء صفحة على "فيسبوك" تحت اسم "مقاطعة المنتجات الإسرائيلية/Boycott Israeli Products" التي تضم نحو 40 ألف متابع.

وتؤكد الناشطة الفلسطينية أنها تعمل مع زملائها بشكل تطوعي في هذه الصفحة التي أُنشئت مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 2023، ولا تسعى فقط إلى التنبيه إلى المنتج الإسرائيلي الصنع، بل تركز أيضاً على الترويج لبدائل فلسطينية وتعريف المتابعين بها والإشارة إلى أماكن توفرها في السوق الفلسطينية.

ونفّذت المجموعة مبادرة تقوم على توزيع طرود تحتوي عينات من المنتجات الفلسطينيّة على مجموعة مختارة من متابعي الصفحة تضمنّت 30 عضواً من مختلف مدن الضفة، قُسموا إلى فئتي: "مقاطعون قدامى" و"مقاطعون جُدد" بهدف التشجيع على تجربة المنتجات المحلية ومشاركة تجاربهم وآرائهم مع المجموعة.

وتعمل المجموعة أيضاً على الإشارة إلى المحال التي تعتمد المنتج الفلسطيني أو توفر بدائل عربية وعالميّة مع كتابة عناوينها ومشاركتها عبر الصفحة.

استقبال المنتج الوطني

ويؤكد خميس عرار، مدير مصنع شركة "عصائر سلفيت" الفلسطينية للمشروبات الغازية والعصائر التي تأسست عام 2019 والمنتجة لمشروبات "تشات كولا" الغازية، أن مبيعات الشركة ارتفعت بأكثر من 10% منذ بدء الحرب على قطاع غزة بسبب توجه المستهلك لدعم المنتج الوطني.

وفي حديثه مع TRT عربي يشير عرار إلى أن النقطة الأهم تمثلت في قدرتهم على إيصال منتجاتهم إلى مراكز المدن بعد أن كانت تقتصر على القرى، ما منح الشركة فرصة فتح سوق جديدة وبناء علاقة مع المستهلك تغنيه عن استهلاك منتجات غير فلسطينية، وتُثبت كذلك أن المنتج الوطني يضاهي، بل يتجاوز في جودته المنتجات الأخرى.

ويؤكد أن الشركة تسير في خطة تطويرية تتناسب مع حجم الاستهلاك، ما يعني زيادة الأيدي العاملة، متوقعاً أن "يتضاعف عدد عمال المصنع من 40 إلى 80 عاملاً مع حلول شهر رمضان المبارك، كما أن منتجات الشركة أصبحت الآن تُصدَّر إلى الخارج، ووصلت إلى الأردن وقريباً ستتوفر في لبنان كذلك".

وينوه عرار إلى ضرورة خلق بيئة داعمة للاستثمار في فلسطين وتقديم تسهيلات وتوفير بنى تحتية من الحكومة الفلسطينية تسهم في دعم الاقتصاد الوطني.

يُذكر أن منتجات "تشات كولا" أصبحت بديلاً في كثير من الأسواق والمطاعم لـ"كوكاكولا" العالمية التي تدعم إسرائيل، وتواجه حركة مقاطعة ليس على المستوى الفلسطيني وحسب وإنما عالميّاً.

وأظهرت دراسة للبنك الدولي انخفاض الصادرات الإسرائيلية إلى السوق الفلسطينية في الضفة وغزة في الربع الأول من 2015 بنسبة 24%، وعزت هذا الانخفاض إلى حملة المقاطعة المتنامية، رغم أن الاقتصاد الفلسطيني محاصَر، كما انخفضت الصادرات الإسرائيلية إلى الضفة وغزة في عام 2014 بنسبة 15% مقارنةً بعام 2013، أي من 3.4 مليار دولار إلى 2.9 مليار دولار.

ووفقاً لتقرير أعدّته مؤسسة "راند كوربوريشن" الأمريكية عام 2015، تسببت المقاطعة الاقتصادية لإسرائيل ما بين 2013 و2014 في خسارة تراكمية تقدر بنحو 15 مليار دولار، ما أدى إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي للفرد في إسرائيل بنسبة 3.4%.

كما دفعت حملات المقاطعة إسرائيل إلى تسويق بضائع المستوطنات غير الشرعية بموجب القانون الدولي عبر أسماء وطرق مختلفة للتحايل حول منشأ تلك المنتجات، وإصدار قرار يقضي بتقديم رزمة من التسهيلات الاقتصادية والتجارية للمنشآت الصناعية والزراعية المقامة داخل المستوطنات؛ في محاولة للتقليل من تأثير المقاطعة.

TRT عربي