تابعنا
شهادات مروّعة وتفاصيل مرعبة عاشها العمّال الغزيون في رحلة عودتهم من إسرائيل إلى قطاع غزة؛ ضرب وشتم وإطلاق نار وتجريد من الأموال دون أي مراقبة أو توثيق لما يجري.

في الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، أعلنت السلطات الإسرائيلية أنها ستعيد إلى غزة جميع العمّال الذين عَلَقوا في إسرائيل منذ عملية "طوفان الأقصى"، التي بدأتها حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وقطع جميع الصلات مع القطاع.

وقال مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي في بيان إن "عمال غزة الذين كانوا في إسرائيل يوم بدء الحرب، ستجري إعادتهم إلى غزة" التي تتعرض لقصف إسرائيلي مستمر. فيما نشرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في الأراضي المحتلة على صفحتها الرسمية على فيسبوك توضيحاً تقول فيه: "ليس للجنة الدولية أي دور في عملية نقل العمال الفلسطينيين من أهالي قطاع غزة، من الضفة الغربية إلى القطاع بأي شكل من الأشكال".

تعذيب في السجون

بدورها، قالت مسؤولة الإعلام في نادي الأسير الفلسطيني، أماني سراحنة، إن "الجهات الرسمية الفلسطينية لا تملك أي معطيات حول مصير العمّال المحتجزين لدى السلطات الإسرائيلية"، مؤكدة أن كل مطالباتهم للصليب الأحمر الدولي بتوفير معلومات حول مصيرهم أو أماكن احتجازهم أو ظروفهم الصحية، باءت بالفشل.

ونوّهت سراحنة في حديثها مع TRT عربي، إلى أن "جزءاً من العمال ما زالوا محتجزين وأن مصيرهم مجهول، في ظل منع المحامين من زيارتهم والتكتم الإسرائيلي على ظروفهم".

وتشير إلى أن المعلومات الوحيدة التي تمكنوا من الحصول عليها جاءت عبر زيارة محامين لأسرى الضفة الغربية في سجن عوفر، وحسب إفادتهم، تعرّض بعض العمال المحتجزين لإطلاق نوع من الرصاص على أرجلهم يتسبب بحروق في الأطراف، إضافةً إلى سماع أصوات صراخ ناتجة عن التعذيب في أقسام احتجاز هؤلاء العمال.

وحذرت سراحنة من وجود تخوفات تتعلق بتعرض باقي المحتجزين لعمليات إعدام خصوصاً بعد استشهاد عاملَين من قطاع غزة، الأول ماجد زقول في سجن عوفر، والآخر ما زال مجهول الهوية، استُشهد في معسكر عنتوت التابع للجيش الإسرائيلي، وعلمت الجهات الفلسطينية باستشهادهما عن طريق الإعلام الإسرائيلي فقط بعد أسبوع كامل ولم تبلّغ بذلك بشكل رسميّ.

شهادات مروّعة وتفاصيل مرعبة عاشها العمّال الغزيون في رحلة عودتهم هذه، من ضرب وشتم وإطلاق نار وتجريد من الأموال من دون أي مراقبة أو توثيق لما يجري.

تعرض TRT عربي في هذا التقرير تجارب بعض العمّال الذين نجوا من التعذيب في رحلة العودة إلى قطاع غزة.

"10 أيام كأنها 10 سنوات"

في 7 من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، داهمت شرطة الاحتلال مسكن العامل الغزّي خليل أبو ناموس في مدينة اللد، واعتقلته بعد تعصيب عينيه وتكبيل يديه خلف ظهره، ونقلته إلى سجن عوفر المقام على أراضي بيتونيا غرب مدينة رام الله في الضفة الغربية.

احتُجز العامل في عوفر لمدة 10 أيام واستُدعي للتحقيق خلالها ثلاث مرّات، ويقول لـTRT عربي إنها "10 أيام كأنها عشر سنوات"، في محاولة منه لوصف التعذيب الذي تعرّض له، من ضرب وتعنيف وإذلال، وأسئلة متكررة عن علاقته بأحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول وعن نقله معلومات لجهات "معادية".

وبالإضافة إلى سحب تصريح العمل، صادرت سلطات الاحتلال نقود أبو ناموس وكل ما بحوزته من حاجيات، كما مُنع من التواصل مع عائلته لطمأنتهم على حاله.

وبعد 10 أيام، نُقل إلى ساحة قرب سجن عوفر خصصتها السلطات الإسرائيلية لاحتجاز العمال من قطاع غزّة، وظلّ هناك 27 يوماً مع نحو 300 آخرين، في ظروف لا إنسانية، حيث ينامون في العراء وسقطت الأمطار عليهم في أحد الأيام.

طعام قليل غير مُشبِع على فترتين، في الصباح القليل من المربّى، وللغداء أرز ودجاج بكميات قليلة جدّاً وغير مُشبِعة.

عندما قررت سلطات الاحتلال الإسرائيلي إعادة العمّال إلى قطاع غزّة، جرى اقتياد أول مجموعة في تمام الساعة 11 ليلاً وهي مكونة من 20 إلى 30 اسماً، بعد تعصيب أعينهم وتكبيلهم، وفي تمام الساعة 2 بعد منتصف الليل اقتيدت المجموعة الثانية، وكان خليل أبو ناموس من بينهم.

وكان طريقاً مليئاً بالضرب والشتم بألفاظ نابية، أما التكبيل فربطوا ساقه بساق العامل الذي يجلس إلى جانبه، حتى وصلوا إلى معبر كرم أبو سالم جنوب شرقي قطاع غزة.

"عندما وصلنا فكّوا وثاقنا وقالوا لنا: اركضوا"، هكذا يصف أبو ناموس كيف عومل وزملاؤه.

نجا خليل أبو ناموس من هذه الرحلة وتمكن من لقاء زوجته وأبنائه الخمسة في أحد مراكز الإيواء في خان يونس.

عاش العمال الفلسطينيون أوضاعاً صعبة داخل السجون الإسرائيلية بعد اعتقالهم، وتقطعت بهم سبل الوصول إلى مناطق سكنهم خصوصاً في المناطق الشمالية ومدينة غزة، بسبب القصف الإسرائيلي العنيف. (AA)

"ظننا أننا ذاهبون إلى الإعدام"

أبو أحمد، عامل آخر يتحدّث عمَّا مرَّ به في أثناء عودته إلى القطاع عبر معبر كرم أبو سالم، حيث احتُجز في منطقة وصفها بـ"البركس" أي حظيرة الماشية، وهي مكان مفتوح محاط بسياج حديدي، بعد رحلة من الضرب والتنكيل.

وينقل أبو أحمد لـTRT عربي، رد أحد الضباط الإسرائيليين على تعليق العمال حول كميات الطعام التي كانت تُوفّر لهم، بقوله: "نُطعمكم كي تعيشوا فقط، لا نريد أن تموتوا هنا"، عدا عن عدم توفر مياه صالحة للشرب وعدم توفر حمامات.

وفي يوم نقلهم إلى قطاع غزة، جُرّدوا من نقودهم، وكبّلوهم ووضعوهم في حافلة في تمام الساعة 3 فجراً، وظلوا على هذه الحال إلى أن وصلوا إلى "كرم سالم" في تمام التاسعة صباحاً.

يقول العامل: "عندما أخذونا لم نكن نعلم أين ذاهبون، أساؤوا معاملتنا وظننا أنهم سيعدموننا، هنالك عمّال ما زال مصيرهم مجهولاً، منهم اثنان من أولاد شقيقتي".

ويضيف أبو أحمد: "كانوا يتعمدون شتمنا عندما نصلّي، ويتعمدون الصراخ أو تشغيل أصوات عالية عندما نحاول النوم".

"ألبسوني الكفن وأنا على قيد الحياة"

عمر الغزاوي (اسم مستعار لأسباب أمنية)، عامل في منطقة عكا شمال غربي فلسطين المحتلة، بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول، توجه إلى منطقة شفا عمرو، وهي مدينة فلسطينية توجد في منطقة الجليل الغربي شمالي فلسطين المحتلة، وفي سبيل حماية نفسه انتقل إلى مدينة جنين شمالي الضفة الغربية، ومنها نُقل إلى مركز إيواء في مخيم الفارعة.

يصف الغزاوي لـTRT عربي، رحلة عودته إلى القطاع بعد قرار نقلهم بـ"رحلة الموت"، وقال: "ألبسوني كفن وأنا عايش".

حال الغزاوي كحال بقية العمال، جُرّد من نقوده ومن تصريح العمل ونُقل إلى معبر كرم أبو سالم مقيداً، وتعرض لضرب مبرح وأطلق جنود الاحتلال النار قرب أقدامه قبل أن يتمكن من النجاة والوصول إلى قطاع غزة وملاقاة عائلته في أحد مراكز النزوح.

كانت إسرائيل أصدرت تصاريح عمل لنحو 18 ألفاً و500 فلسطيني من قطاع غزّة، حسب مكتب تنسيق أعمال الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية.

وقدّرت وسائل إعلام إسرائيليّة عدد العمّال من قطاع غزّة الذين كانوا في إسرائيل عند بدء الحرب بما يصل إلى 4000 شخص.

فيما قالت الأمم المتحدة، إنها "قلقة جداً" من القرار الإسرائيلي. وأوضحت إليزابيث ثروسيل، الناطقة باسم مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، خلال إحاطة إعلامية في جنيف، أن هؤلاء "يُطردون رغم خطورة الوضع" في قطاع غزة الذي يتعرض لقصف إسرائيلي عنيف أوقع آلاف الضحايا.

عاش العمال الفلسطينيون أوضاعاً صعبة داخل السجون الإسرائيلية بعد اعتقالهم، وتقطعت بهم سبل الوصول إلى مناطق سكنهم خصوصاً في المناطق الشمالية ومدينة غزة، بسبب القصف الإسرائيلي العنيف. (AA)

إصرار على العودة

بدوره، يقول خالد سباعنة، المتطوع في مجمع رام الله الترويحي لاستقبال العمال الغزيين القادمين من مناطق عملهم في الداخل الفلسطيني، إن تجربة العمال اختلفت في انتقالهم من أماكن عملهم إلى مناطق الضفة الغربية.

ويتابع: "منهم مَن خرج مباشرةً من مكان عمله إلى مناطق الضفة، ومنهم من انتظر يوماً أو أكثر لحين التأكد من إمكانية العبور بسلام، ومنهم من انتظر لأكثر من أسبوع في أماكن اعتقد أنها آمنة، ومنهم من اعتُقل ونُقل إلى مواقع عسكرية إسرائيلية".

ويؤكد سباعنة في حديثه مع TRT عربي، أن معظم العمال تعرّضوا لاعتداءات جسدية ولفظية وسرق جنود أو أفراد من الشرطة الإسرائيلية أموالهم، ومنهم من تعرض لاعتداءات من المستوطنين بعد ملاحقات داخل أماكن سكنهم.

ويضيف أن أحد العمال (56 عاماً) تعرض لإصابة بشظايا عيارات نارية في الرقبة بعد ملاحقة المستوطنين له، كما اعتُقل آخر (52 عاماً) لمدة 17 يوماً وأطلق سراحه على أحد الحواجز، وكان يعاني تورماً في الرجلين واليدين بسبب توثيق الاحتلال له بمرابط بلاستيكية لأكثر من 48 ساعة.

ويُعلق سباعنة على وضع العُمّال بقوله: "هذه الشهادات سمعناها من العمال الذين استقبلناهم، وبدت على كثير منهم آثار الضرب، ومنهم من نُقل إلى المستشفيات لتلقي العلاج".

ويشير إلى أنه رغم الحرب والدمار ينتظر العمال العودة إلى منازلهم أو ما تبقى منها للقاء عائلاتهم أو من تبقى منهم، إذ يرون أن عودتهم إلى القطاع حتى إنْ كانت تحت القصف، أفضل من حالة التوتر والرعب التي يعيشونها خلال متابعتهم الأخبار عن بُعد.

ويروي سباعنة قصة أخرى قائلاً: "في أحد أيام الحرب، تعرّض منزل أحد هؤلاء العمال العالقين في رام الله للقصف وعلقت ابنته البالغة من العمر 7 سنوات لساعات تحت الأنقاض، جلس عاجزاً ينتظر أي معلومة تُطمئنه، وجلس المتطوعون معه عاجزين عن قول أي شيء، وبعد أكثر من 3 ساعات تلقى خبراً يفيد بأن ابنته خرجت من تحت الأنقاض بخير، ليتبع ذلك مشهد فرح غير قابل للوصف".

TRT عربي