تابعنا
حسب بيانات هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، هدم الاحتلال الإسرائيلي خلال عام 2023، نحو 659 منشأة (مساكن مأهولة وغير مأهولة، مصادر رزق، ومنشآت زراعية) في الضفة الغربية والقدس، منها 35 منشأة في محافظة رام الله والبيرة.

لمرتين منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي منزل عباس فواز قرعان على مقربة من مستوطنة "بسجوت"، المقامة على أراضي مدينة البيرة وسط الضفة الغربية، وحطمت محتوياته، واعتدت على سكانه.

ويروي قرعان لـTRT عربي أن الاحتلال اقتحم منزله في 25 أكتوبر/تشرين الأول، بعد منتصف الليل، إذ استيقظ وعائلته على أصوات تفجير أبواب منزلهم، وجنود الاحتلال واقفون في وسط المنزل.

وتقع مستوطنة "بسجوت" على أراضي مدينة البيرة في التجمع الاستيطاني شمال شرق رام الله، الذي يطلق عليه "مستوطنات الخطوط المتوازية"، ويضم في محافظة رام الله والبيرة تجمع مستوطنات موديعين عيليت، مروراً بمستوطنات بيت إيل وحلاميش وتلمون ومعاليه مخماس وعوفرا وبسجوت وميفو هورون ونعاليه ودوليف.

ويشير قرعان، وهو أسير محرَّر قضى نحو 7 سنواتٍ في سجون الاحتلال، إلى أن جنود الاحتلال اعتدوا عليه بالضرب خلال هذا الاقتحام، وحطموا مقتنياتِ منزله من أدواتٍ زجاجية وأثاث، وفتشوه، وأخذوا صوراً للغرف والمقتنيات.

في مطلع العام الحالي، تكرَّر المشهد مرة أخرى مع عائلة قرعان، إذ اقتحم الاحتلال منزله في ساعة متأخرةٍ من الليل، وسألوه عن "المبلغ المالي الذي بحوزته"، وأعادوا تحطيم المنزل من جديد.

يصف قرعان، وهو من حمَلة الجنسية الأمريكية، تلك الليلة الماطرة، بأن بيته بعد ذلك الاقتحام "أصبح غير صالحٍ للسكن البشري" في تلك اللحظة، فقد داس الجنود الإسرائيليون بأقدامهم المتسخة بالوحل جميع أثاثِ المنزل والأسرّة في غرف النوم، وأسقطوا الأدوات الزجاجية في المطبخ على الأرض.

تهديد بالهدم

حسب قرعان، فإن الاحتلال الإسرائيلي هدَّد بهدم بيته ثلاث مرات بحُجة وقوعه في المنطقة المصنفة "ج"، وَفق تصنيفات تقسيمات الأراضي حسب توقيع اتفاقية أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل عام 1993، التي قسّمت الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 إلى ثلاث مناطق، "أ" وتقع فيها السيادة الكاملة للسلطة الفلسطينية، و"ب" وتخضع لسيطرة مدنية فلسطينية وأمنية إسرائيلية.

أما المنطقة "ج"، التي تشكّل 60% من أراضي الضفة الغربية، وحسب اتفاقيات أوسلو، فمن المفترض أن تتسلم السلطة الفلسطينية شؤون هذه المنطقة خلال مرحلة انتقالية، لكن إسرائيل تتحكَّم حاليّاً في جميع شؤونها، بما فيها الشؤون الأمنية والتخطيط العمراني والبناء.

ورغم ذلك، يؤكد قرعان أن بيته بُني عام 1960، أي قبل 21 عاماً من بناء مستوطنة "بسجوت" عام 1981، مشيراً إلى أنه استوفى جميع التراخيص اللازمة من بلدية البيرة عند بناء طوابق إضافية فوق بيته عام 2000، ليسكن فيها هو وأشقاؤه.

الشارع الفاصل بين بيوت الفلسطينيين ومستوطنة بسجوت في مدينة البيرة (TRT Arabi)

ليس بيت عباس قرعان المنزل الوحيد المهدَّد بالهدم، فعلى مقربة منه يقع بيت آخر، يعتبر من أقدم المنازل التي بُنيت على جبل الطويل، هدَمه الاحتلال خلال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، المتواصلة منذ أكثر من أربعة أشهر، واعتبره "أملاك دولة"، ونزع ملكيته عن أصحابه.

وحسب بيانات هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، هدم الاحتلال الإسرائيلي خلال عام 2023، نحو 659 منشأة (مساكن مأهولة وغير مأهولة، مصادر رزق، ومنشآت زراعية) في الضفة الغربية والقدس، منها 35 منشأة في محافظة رام الله والبيرة.

الشارع الفاصل بين بيوت الفلسطينيين ومستوطنة بسجوت في مدينة البيرة (TRT Arabi)

فيما نزع الاحتلال الإسرائيلي الملكية عن عشرات الآلاف من قطع الأراضي في الضفة الغربية، وحرم أصحابها من ملكيتها، وصادر خلال عام 2023 ما مجموعه 50524 دونماً (الدونم 1222 متراً مربعاً) تحت تسميات مختلفة، مثل إعلان محميات طبيعية، أوامر استملاك، أوامر وضع يد وإعلان أراضي دولة.

وبأسلوب نزع الملكية، جرى هدم البيت الذي تحدث عنه قرعان.

وتروي جارة أخرى للمنزل المهدوم، هشيمة عفانة، أن "الاحتلال علّقوا عليه ورقة باللغة العبرية لمدة أيام، قبل أن يستبدلوا بها ورقة أخرى باللغة العربية، تطلب من أصحاب المنزل التواصل مع جيش الاحتلال، وبعد أقل من أسبوعين هدموه".

وتضيف عفانة لـTRT عربي أن "أصحاب المنزل يعيشون في الولايات المتحدة الأمريكية والأردن، ويعودون خلال الصيف إلى الضفة، ومنزلهم في مدينة البيرة، وقد استغل الاحتلال عدم وجود أحد في المنزل وهدمه".

تضييقات مستمرة

وبشكلٍ مشابه، تقول عفانة إن الجنود الإسرائيليين اقتحموا منزلها خلال العدوان على قطاع غزة، وطلبوا بطاقة الهوية الشخصية لها ولحفيدها، الذي يسكن معها ليعاونها في الشؤون اليومية، وأخبرتهم بأنهما من حمَلة الجنسية الأمريكية، لكنهم أصروا على تفتيش المنزل وتصويره.

وتابعت: "فتشوا كل ركن في البيت، وصوروا كل شيء، كل غرف المنزل، وحتى المرحاض وبيت الحاجة صوّروه، ثم غادروا، فقط كانوا ينوون التضييق علينا وإخافتنا، إضافة إلى أننا نعاني جدّاً عندما يطلقون قنابل الغاز في المنطقة عند حدوث المواجهات، نضطر إلى إغلاق جميع نوافذ البيت، ولا نستطيع الخروج من كثافة الدخان".

ومثل عفانة، التي تشتكي من قنابل الغاز والاقتحامات المتكررة، تقول رندة الجيوسي، القاطنة في بيتٍ ثالثٍ محاذٍ للمستوطنة، إن قنابل الغاز التي يطلقها الاحتلال تجاه الشبان عند حدوث مواجهات تسقط في فناء منزلها، ما دفعها إلى تشكيل شجرة من قنابل الغاز "لتكون شاهدة على معاناة عائلتها"، كما تصف.

الفلسطينية رندة الجيوسي تجمع قنابل الغاز الإسرائيلي التي سقطت في فناء منزلها خلال المواجهات المندلعة بين شبان وجيش الاحتلال على مدخل مستوطنة بسجوت (TRT Arabi)
الفلسطينية رندة الجيوسي تجمع قنابل الغاز الإسرائيلي التي سقطت في فناء منزلها خلال المواجهات المندلعة بين شبان وجيش الاحتلال على مدخل مستوطنة بسجوت (TRT Arabi)

وتضيف الجيوسي لـTRT عربي أنه وبعد معاناة سنوات مع قنابل الاحتلال التي كسرت النوافذ باستمرار، لجأت العائلة إلى وضع طبقة من الحديد (قضبان حديدية متشابكة) على النوافذ والأبواب، ليتحول المنزل إلى ما يشبه "السجن"، لا يدخله الضوء بشكلٍ جيد.

وتؤكد أن جنود الاحتلال يكررون اقتحام منزلها مع كل مواجهة أو ارتقاء شهداء قرب المستوطنة، وتتذكر يوماً اقتحموا فيه المنزل في ساعة متأخرة من الليل، بعد خلع أبوابه بـ"العَتلات"، لإجراء تفتيش روتيني، بهدف التضييق عليهم وإجبارهم على الرحيل.

الفلسطينية رندة الجيوسي تضع قضباناً حديدية على نوافذ وأبواب بيتها بجانب مستوطنة بسجوت لحمايته من رصاص وقنابل الاحتلال الإسرائيلي (TRT Arabi)

تقييدات على الحركة

وحسب الجيوسي، التي تحمل وعائلتها الجنسية الأمريكية، أصبحت المنطقة مخيفة في الليل، فمع بدء غروب الشمس يبدأ الاحتلال تفتيش المركبات، لافتةً إلى أنها شاهدت من خلال نافذة بيتها مصادرة الاحتلال إحدى المَركبات، بعد اعتقال سائقها واقتياده إلى المستوطنة.

وتشير إلى أنه عندما زارتها ابنتها وزوجها قبل أسابيع، اعتدى جندي إسرائيلي على مَركَبة زوجِ ابنتها، ونشر الجندي صورته وهو بجانب المَركَبة على مواقع التواصل الاجتماعي.

ووَفْق مُعطَياتٍ لمعهد الأبحاث التطبيقية "أريج"، يبلغ عدد الحواجز العسكرية الإسرائيلية في الضفة 707، منها 140 حاجزاً وعائقاً جديداً وُضع بعد اندلاع الحرب على قطاع غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

ومثل مستوطنة بسجوت، تنتشر المستوطنات الإسرائيلية على مساحة 42% من أراضي الضفة الغربية والقدس الشرقية، وبلغ عددها مع بداية عام 2024 نحو 180 مستوطنة و194 بؤرة استيطانية، يسكنها 740 ألف مستوطن.

وتؤكد الأمم المتحدة أن هذه المستوطنات أقيمت بشكلٍ غير قانوني، وتمثِّل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي، وعقبة كبرى أمام تحقيق حل الدولتين، والسلام العادل والدائم والشامل.

TRT عربي