تابعنا
تَمثل التطور الكبير الذي شهده الموقف البرازيلي في تشبيه الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا في 18 فبراير/شباط الماضي، ممارسات إسرائيل في غزة بما فعله الزعيم النازي أدولف هتلر باليهود، متهماً إسرائيل بارتكابها إبادة جماعية ضدّ المدنيين الفلسطينيين.

منذ بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في 7 من أكتوبر/تشرين الأول 2023، اتخذت البرازيل مواقف لافتة تجاه الشعب الفلسطيني، تنوعت بين تصريحات منددة بالمجازر الوحشية التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي ضد المدنيين، ودعم القرارات الدولية الداعية إلى وقف فوري لإطلاق النار، إضافةً إلى خطوات داعمة لقضية الفلسطينيين.

وتَمثل التطور الكبير الذي شهده الموقف البرازيلي في تشبيه الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا في 18 فبراير/شباط الماضي، ممارسات إسرائيل في غزة بما فعله الزعيم النازي أدولف هتلر باليهود، متهماً إسرائيل بارتكابها إبادة جماعية ضدّ المدنيين الفلسطينيين في القطاع.

جاء ذلك على هامش قمة الاتحاد الإفريقي بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، حيث قال لولا دا سيلفا إن "ما حدث للشعب الفلسطيني في قطاع غزة لم يحدث أبداً في أي وقت من الأوقات في التاريخ"، مستدركاً بأن "ذلك حدث عندما قرر الزعيم النازي أدولف هتلر قتل اليهود".

وأشعلت هذه التصريحات أزمة دبلوماسية بين الدولتين، واستدعت إسرائيل السفير البرازيلي لتوبيخه وأوضحت أن رئيس البرازيل لولا دا سيلفا "شخصية غير مرحب بها" في البلاد، وعلى أثر ذلك طلبت البرازيل من سفيرها لدى تل أبيب فريدريكو ماير العودة إلى البلاد "للتشاور".

هذه المواقف المناصرة لقضية الشعب الفلسطيني يراها كثير من المحللين غير مرتبطة بالحرب الدموية الجارية التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي بعد عملية "طوفان الأقصى" فقط، وإنما تأتي امتداداً لتاريخ طويل من المواقف الداعمة للحقوق الفلسطينية.

بُعد تاريخي

يتجلى البُعد التاريخي في العلاقة القوية بين القوى اليسارية المتقدمة في دول أمريكا اللاتينية عامة، والبرازيل بشكل خاص، وبين قوى التحرر الفلسطينية وفي مقدمتها منظمة "التحرير الفلسطينية"، إذ كانت البرازيل من أولى الدول التي اعترفت بمنظمة التحرير ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني عام 1975، واستقبلت ممثلاً دائماً لها في عاصمتها برازيليا.

كانت هذه العلاقة قوية ومتجذرة بين الطرفين إلى درجة أن مجموعة من القوى التحريرية في أمريكا اللاتينية تدربت على أيدي ناشطين من المقاومين الفلسطينيين في منظمة التحرير، وفي المقابل تدربت كوادر من منظمة التحرير على يد قيادات من حركات التحرر في أمريكا اللاتينية، حسب الباحث الفلسطيني في العلوم السياسية فادي جمعة.

ويوضح جمعة في حديثه مع TRT عربي أن "هذا التعاون وصل إلى مرحلة الدعم المادي المتمثل في دعم السلاح والمال، بالإضافة أيضاً إلى الدعم بالمواقف السياسية في المحافل الدولية".

وفي عام 2010 اعترفت البرازيل بالدولة الفلسطينية على حدود 1967 خلال زيارة الرئيس الحالي دا سيلفا، إلى رام الله، في فترة رئاسته الثانية، وبعد عودته رئيساً للمرة الثالثة عام 2023 جدد لولا دا سيلفا مواقفه السابقة وأكّد أن ''بلاده ستقف وبقوة مع نصرة الحق الفلسطيني وستكون سنداً لجهود دولة فلسطين في المحافل الدولية".

وتعبيراً عن ارتياح الفصائل الفلسطينية لحكم اليسار للبرازيل، قالت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بعد انتخاب الرئيس دا سيلفا للمرة الثالثة، إن عودة اليسار إلى السلطة في البرازيل تُشكّل "إضافة نوعيّة لمعسكر التحرّر والتقدّم والديمقراطيّة"، معتبرة أنها "خطوة مهمة في اتجاه دعم الشعوب المناضلة من أجل تحرّرها مثل الشعب الفلسطيني".

نفوذ الجاليات العربية

يبلغ عدد العرب في البرازيل والمنحدرين من أصول عربية 11.61 مليون نسمة، أي ما نسبته 6% من مجموع السكان، حسب إحصائية أجرتها المؤسسة البرازيلية لاستطلاع الرأي والإحصاء (IBOPE)، أغلبهم من أصول شامية (لبنان وسوريا وفلسطين)، وقد تقلد العرب عدداً من المناصب السياسية الكبيرة في البلاد، حتى وصل الرئيس ميشال تامر، إلى رئاسة البرازيل عام 2016، وهو عربي من أصول لبنانية.

وتلعب هذه الجالية دوراً مركزياً في تشجيع السلطات في البرازيل على دعم القضية الفلسطينية، وفق أستاذ القانون الدولي رائج أبو بدوية، الذي يؤكد أن هذا الأمر لا يقتصر على البرازيل وحدها، إذ يمتد ذلك إلى عدد من دول أمريكا اللاتينية التي شهدت كثيراً من الهجرات العربية منذ الحرب العالمية الأولى.

ويشير أبو بدوية في حديثه مع TRT عربي إلى أن اندماج هذه الجالية في الحياة السياسية في البرازيل ووصولهم إلى مناصب متميزة كان لهما تأثير في الموقف الرسمي البرازيلي تجاه الصراع العربي-الإسرائيلي.

وإلى جانب الرئيس ميشال تامر، وصل إلى الرئاسة في دول أمريكا اللاتينية عدد من الشخصيات منهم الرئيس الكولومبي السابق خوليو سيزار طربيه (1978-1982) الذي كان ابن مهاجر لبناني، وكارلوس منعم الذي حكم الأرجنتين (1989-1999) والذي ينحدر من عائلة سورية، فيما عرفت الإكوادور الرئيسين عبد الله بوكرم (1996-1997) وجميل ماهود (1998-2000)، أما في هندوراس فهناك كارلوس فلوريس فاكوسة (1998-2002) من أصول سورية.

التحرر من الاستعمار والديكتاتورية

عانت شعوب أمريكا اللاتينية عامة، ومنها البرازيل، تجارب مريرة مع النظام الغربي الاستعماري، الذي كان يدعم القوى الديكتاتورية المسيطرة على دول أمريكا اللاتينية، إذ كانت هناك أنظمة ديكتاتورية تسلطية مدعومة من الولايات المتحدة وإسرائيل تسيطر على دول أمريكا اللاتينية، كما يبيّن فادي جمعة.

ويوضح الباحث في العلوم السياسية أن هذه المواقف والتاريخ السيئ جعلت دول وشعوب أمريكا اللاتينية تنحاز إلى القوى التحريرية المناهضة للولايات المتحدة وإسرائيل وعلى رأسها قوى التحرر الفلسطينية.

بدوره يؤكد أبو بدوية أن البرازيل -خصوصاً بقيادة اليسار- تحاول أن تجد مكانة متميزة على الساحة الدولية تبتعد فيها عن العالم الغربي والولايات المتحدة، ليس فقط اقتصادياً ولكن سياسياً أيضاً.

ويشير أستاذ القانون الدولي إلى أن الرئيس البرازيلي دا سيلفا يسعى إلى وضع البرازيل في مصاف القوى الفاعلة المهمّة على الساحة الدولية، وحجز مقعد لها على طاولة الدول القوية القادرة على توجيه النقاش العالمي.

وعلى النحو نفسه، سارعت البرازيل التي كانت تتولّى الرئاسة الدورية لمجلس الأمن عند وقوع هجمات حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، إلى التفاوض لإصدار قرارٍ من مجلس الأمن يساعد على تخفيف حدّة التصعيد.

ولطالما سعت البرازيل إلى تمثيلٍ أكبر في مجلس أمن موسع، وعندما كانت تتولى الرئاسة الدورية للمجلس في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، دعت البرازيل إلى اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي "لتجنب التصعيد" بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

وتولت البرازيل رئاسة مجموعة قمة العشرين في ديسمبر/كانون الأول 2023، واستضافت على مدار يومي 21 و22 فبراير/شباط الماضي، اجتماع وزراء خارجية دول مجموعة العشرين، ووقتها اتهم وزير الخارجية البرازيلي ماورو فييرا، مجلس الأمن بـ"الشلل" بسبب عجزه عن تبني قرار لوقف الحرب في غزة وأوكرانيا.

تحوُّل الرأي العام العالمي

مع إطلاقها الحرب ضد غزة، استخدمت إسرائيل مشاهد البلدات الإسرائيلية في غلاف القطاع يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول، فحصلت على دعم غربي وخصوصاً من الولايات المتحدة، لكن مع ورود صور الدمار والقتل في غزة فإن الرأي العام الدولي بدأ يميل لمصلحة الفلسطينيين، وهو ما جرى بالفعل وما زال يُعبَّر عنه في مظاهرات بعواصم عربية وأوروبية ودولية بما فيها في الولايات المتحدة.

وأدت الحرب الهمجية التي يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى تغيير عام في موقف الشعوب حول العالم، وليس فقط شعوب أمريكا اللاتينية، ويعزو الباحث فادي جمعة، سبب ذلك إلى صور المجازر والضحايا من المدنيين والأطفال على شاشات التليفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي.

ويوضح جمعة هذا التغيير بأن "العالم الآن يشهد تحولات جوهرية في اصطفافاته وتحولاته مع القضية الفلسطينية أو ضدها؛ أي إن العالم يعيد توزيع نفسه؛ فهناك قوى في الغرب كانت تاريخياً ضد القضية الفلسطينية أما الآن فهي تُظهر تأييدها العلني لحقوق الشعب الفلسطيني".

وأكدت القناة 12 الإسرائيلية في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي أنه "بعد مرور شهر، أصبحنا نواجه واقعاً جديداً؛ الصور التي تتألق في وسائل الإعلام الدولية هي صور القتل والدمار في غزة، وليست صور المذبحة في المستوطنات الإسرائيلية"، على حد تعبيرها.

وفي وقت سابق، أوضح رصد لمنظمة مجموعة بيانات مواقع النزاع المسلح وأحداثه (ACLED)، أن الأسابيع الثلاثة الأولى للحرب شهدت قرابة 4200 احتجاج حول العالم، نحو 90% منها مناصرة للفلسطينيين.

ولا يقتصر هذا التحول على الشعوب فقط، بل بدا واضحاً على مستوى الدول والحكومات في أثناء التصويت على قرار وقف إطلاق النار في غزة في الأمم المتحدة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، إذ صوتت 153 دولة في الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح "القرار"، مقابل رفض واشنطن وإسرائيل و8 دول فقط.

TRT عربي