تابعنا
رغم اعتراف إسرائيل بعمليات القتل، فإنها وصفتها بأنها "حدث مأساوي ألحقت فيه قواتنا الأذى عن غير قصد بغير المقاتلين"، وأنه شيء "يحدث في الحرب". لكن مؤسس المنظمة خوسيه أندريس، وصف ما ترتكبه إسرائيل في غزة بأنها "منخرطة في حرب ضد الإنسانية نفسها".

بعد حادثة مقتل سبعة من عمال الإغاثة من المطبخ المركزي العالمي (World central kitchen) في قطاع غزة، توالت التنديدات من الدول والمنظمات التي طالبت الاحتلال الإسرائيلي بفتح تحقيق حول الاستهداف.

وأعلنت المنظمة غير الحكومية أن سبعة أشخاص يعملون لصالحها لقوا حتفهم في ضربة جوية إسرائيلية على قطاع غزة في الأول من أبريل/نيسان الحالي، وذكر البيان أن عمال الإغاثة الذين قُتلوا من مواطني أستراليا، وكندا/الولايات المتحدة (مواطن مزدوج)، وغزة، وبولندا، والمملكة المتحدة.

رغم اعتراف إسرائيل بعمليات القتل، فإنها وصفتها بأنها "حدث مأساوي ألحقت فيه قواتنا الأذى عن غير قصد بغير المقاتلين"، وأنه شيء "يحدث في الحرب". لكن مؤسس المنظمة خوسيه أندريس، وصف ما ترتكبه إسرائيل في غزة بأنها "منخرطة في حرب ضد الإنسانية نفسها".

وبعد مرور نصف عام على الحرب الإسرائيلية على غزة، ينضم هؤلاء السبعة إلى أكثر من 33 ألف شخص من الضحايا المدنيين الذين قتلهم الاحتلال الإسرائيلي منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، إلّا أن الردود الفعل الدولية هذه المرة كانت حادة جداً وسط دعوات لوقف المساعدات العسكرية للاحتلال.

انتقادات قوية

وعلّق الرئيس الأمريكي جو بايدن في 3 أبريل/نيسان عبر بيان بأنه يشعر بـ"الغضب والحزن" بسبب مقتل عمال الإغاثة، موجهاً بذلك بعض أقوى انتقاداته إلى إسرائيل منذ بداية الحرب.

وقال: "كان هذا الصراع من أسوأ الصراعات في الذاكرة الحديثة من حيث عدد القتلى من عمال الإغاثة، وهذا هو السبب الرئيسي وراء صعوبة توزيع المساعدات الإنسانية في غزة، لأن إسرائيل لم تفعل ما يكفي لحماية عمال الإغاثة الذين يحاولون تقديم المساعدة التي هم في أمسّ الحاجة إليها للمدنيين".

وأضاف بايدن أن بلاده ستواصل الضغط على إسرائيل لكي تفعل مزيداً لتسهيل دخول المساعدات، فضلاً عن "الدفع بقوة" من أجل وقف فوري لإطلاق النار بوصفه جزءاً من صفقة الرهائن، وفق ما أورده البيان.

أما في بريطانيا، فأعلنت الخارجية في اليوم التالي استدعاء السفيرة الإسرائيلية في لندن، وقال رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، إن "إسرائيل عليها أن تتخذ خطوات فورية لحماية عمال الإغاثة وتسهيل العمليات الإنسانية في غزة".

وفي بيان نشره بالتزامن مع مرور نصف عام على بدء الحرب على غزة، أكد دعمه لإسرائيل وحقها "في هزيمة تهديد إرهابيي حماس والدفاع عن أمنها"، مستدركاً بأن "المملكة المتحدة بأكملها مصدومة من حمّام الدم، وقد روّعنا مقتل الأبطال البريطانيين الشجعان الذين نقلوا الطعام إلى المحتاجين"، حسب تعبيره.

ومما يزيد الضغوط على نتنياهو بشكل أكبر، حذّر وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون، الأحد 7 أبريل/نيسان، إسرائيل من وجوب امتثالها للقانون الإنساني الدولي، مؤكداً في مقالته بصحيفة "صنداي تايمز" أن "دعم بريطانيا لإسرائيل ليس غير مشروط"، فضلاً عن الضغوط المتصاعدة على الحكومة البريطانية لتعليق صادرات الأسلحة إلى إسرائيل.

وشملت التنديدات والمطالبات أيضاً فتح تحقيق مستقل من دول عُرفت بدعمها المطلق لإسرائيل مثل بولندا وبلجيكا وأستراليا وفرنسا، كما أدان مفوض السياسات الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، الهجوم، وحث على إجراء تحقيق فوري.

"ازدواجية المعايير"

ويقول الباحث في الشؤون الإسرائيلية عصمت منصور إن الجريمة التي وقعت أثارت الرأي العام الدولي خصوصاً أن ضحاياها من حمَلة الجنسيات الغربية ومهمتهم تتعلق بالإغاثة الإنسانية، وهما قضيتان حساستان وعنوان لانتقاد الحرب الإسرائيلية على غزة.

ويضيف منصور لـTRT عربي أن "الإدانات والاستنكار دفع إسرائيل إلى الاعتذار ومحاولة تبرير الجريمة بأنها غير مقصودة، ودفع نتنياهو إلى أن يخرج من المستشفى ليوضح للعالم أن الحادث عرضيّ".

ويلفت إلى أن أحد تداعيات رد الفعل الدولي أن إسرائيل قررت زيادة كمية المساعدات وساعات عمل المعابر وعدد الشاحنات، في محاولة لامتصاص ردة الفعل كي لا تتحول هذه الانتقادات إلى حملات ضدها لوقف الحرب.

بدوره، انتقد الكاتب والمحلل السياسي المقيم في بريطانيا زياد العالول، ازدواجية معايير الغرب فيما يتعلق بالحرب الإسرائيلية على غزة، حيث لم يكترث الغرب بالقتل المستمر يومياً واستهداف الصحفيين والأطباء والمساجد والكنائس وتعامل مع حالة القتل بشكل عادي، لكنّ الأمر اختلف تماماً عندما تعلق بالهجوم على "المطبخ المركزي العالمي" لأن مَن استُهدفوا أشخاص ينتمون لجنسيات غربية، لذلك تعاملت بشكل مختلف.

وفي حديثه مع TRT عربي، يرى العالول أن الولايات المتحدة "ضاقت ذرعاً بتعجرف الإدارة الإسرائيلية واستهدافها القافلة الإنسانية، والغرب يرى أن هذا استهتار بالإنسان واستهتار بكل المعايير الدولية، رغم أن هذا الاستهتار موجود في السابق وإسرائيل لم تكترث، لكن عندما تعلق الأمر بالغربيين تغير هذا الأمر. وبالطبع هذه الحادثة زادت من الضغط الدولي الشعبي والرسمي على الاحتلال.

ويبيّن المحلل السياسي أنه "على المستوى الأوروبي، فإن الإدارات الرسمية الأوروبية عملياً تخضع للمساءلة والضغط الشعبي الذي يؤثر في معظم الإدارات فلذلك في أوروبا هناك صعوبة كبيرة في استمرار دعم إسرائيل بالسلاح، إذ نرى احتجاجات في معظم الدول وبالتحديد في ألمانيا وبريطانيا، فبالنسبة للغرب أتوقع أن هذه الحادثة ستشكل ضغطاً كبيراً على التعامل وتزويد الاحتلال الإسرائيلي بالسلاح".

أما بالنسبة للولايات المتحدة، فيوضح العالول أن إدارة بايدن تستخدم بعض التكتيكات لـ"تصويب المسار الذي تنتهجه الحكومة الإسرائيلية"، لكي تحافظ على ما تبقّى لإسرائيل من قبول في المجتمع الدولي، كون واشنطن ملتزمة بأمن تل أبيب ودعمها في حقها في "الدفاع عن نفسها".

"أصدقاؤنا الغربيين نفد صبرهم"

وفي محاولة للتخفيف من وطأة الضغط الدولي، قال جيش الاحتلال الإسرائيلي إنه "عزل ضابطين ووبّخ رسمياً كبار القادة بعد أن خلص تحقيق في مقتل سبعة من عمال الإغاثة في ضربة جوية في غزة إلى وجود أخطاء جسيمة وانتهاكات للإجراءات"، وإلى أن "القوات الإسرائيلية اعتقدت خطأً أنها كانت تهاجم مسلحين من حماس عندما أصابت طائراتٌ من دون طيار ثلاث مركبات تابعة لمنظمة المساعدة العالمية للمطبخ المركزي، ولم تُتَّبع الإجراءات المعتادة".

إلّا أن منظمة "المطبخ المركزي العالمي" دعت إلى تحقيق مستقل، معتبرةً أن "الجيش الإسرائيلي لا يمكنه أن يُجري تحقيقاً موثوقاً في إخفاق له بغزة".

من جهتها نشرت صحيفة هآرتس العبرية تحليلاً في 3 أبريل/نيسان عقب الاستهداف قالت فيه إن "النتيجة التراكمية للأحداث الأخيرة أدت إلى صبر أقل من الأصدقاء الغربيين نظراً لمواصلة الحملة العسكرية الإسرائيلية والطلب المتنامي على زيادة شحنات المساعدات، خصوصاً في ضوء التقارير عن المجاعة وخطرها في جميع أنحاء قطاع غزة".

وأضافت الصحيفة أنه "إذا كانت إسرائيل تأمل في أن تكون سيطرتها على دخول الشحنات وسيلة ضغط من أجل إطلاق سراح الرهائن المحتجزين لدى حماس، فقد فقدت هذه الورقة".

وكانت بالفعل أولى نتائج الضغط على إسرائيل موافقتها على إعادة فتح معبر إيريز، المؤدي إلى شمال قطاع غزة، والاستخدام المؤقت لميناء أسدود جنوبي إسرائيل، وذلك بعد مطالبات أمريكية بزيادة إدخال المساعدات الإنسانية للقطاع.

تعليق مبيعات الأسلحة

وحسب وكالة رويترز، فإن رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، يواجه ضغوطاً سياسية كبيرة لوقف بيع الأسلحة لإسرائيل بعد مقتل سبعة عمال إغاثة.

وقالت أحزاب المعارضة البريطانية الثلاثة الرئيسية وبعض المشرعين في الحزب الحاكم في 4 أبريل/نيسان إنه يتعين على الحكومة البريطانية أن تفكر في تعليق مبيعات الأسلحة.

ودعا الديمقراطيون الليبراليون إلى تعليق صادرات الأسلحة إلى إسرائيل، في حين أيَّد الحزب الوطني الاسكتلندي أيضاً هذه الخطوة.

وتبنى حزب العمال المعارض الرئيسي، الذي تشير استطلاعات الرأي إلى أنه سيشكل الحكومة المقبلة في وقت لاحق من هذا العام، نهجاً دقيقاً، وقال إنه يتعين على الحكومة تعليق مبيعات الأسلحة إذا وجد المحامون أن إسرائيل انتهكت القانون الدولي، إذ تنص معايير الترخيص الاستراتيجي في بريطانيا على أنه لا ينبغي تصدير الأسلحة عندما يكون هناك "خطر واضح" وبإمكان استخدامها في انتهاك القانون الإنساني الدولي.

أما في الولايات المتحدة، فقد وقّعت النائبة نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب السابقة والحليف الرئيسي لجو بايدن، رسالة يوم الجمعة 5 أبريل/نيسان من العشرات من الديمقراطيين في الكونغرس إلى الرئيس ووزير الخارجية أنتوني بلينكن، تحث على وقف عمليات نقل الأسلحة إلى إسرائيل، وبذلك انضمت إلى 37 نائباً ديمقراطياً في الكونغرس دعوا إلى وقف نقل الأسلحة الأمريكية إلى إسرائيل بسبب مقتل عمال الإغاثة.

ورغم ذلك وتزامناً مع مفاوضات جديدة في العاصمة المصرية القاهرة بين إسرائيل وحركة حماس، انسحبت الفرقة 98 من خان يونس الأحد 7 أبريل/نيسان، بعد أربعة أشهر من بدء عملياتها في ثاني أكبر مدينة في غزة، وسط عدم وجود تفاصيل عن أسباب سحب الجنود أو أعداد المشاركين.

لكنّ وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، قال إن القوات ستستعد لعمليات مستقبلية في غزة. ورداً على سؤال حول انسحاب القوات من القطاع، قال رئيس الأركان العامة الإسرائيلي هرتسي هاليفي، للصحفيين إن الجيش يكيّف أساليبه مع ما كانت وستكون عليه حرب طويلة.

وحول إمكانية أن يتحول ضغط إيقاف تصدير الأسلحة إلى ضغط لإنهاء الحرب، يرى الخبير في الشأن الإسرائيلي عصمت منصور، أنه "من الممكن أن يقود هذا الأمر إلى نتيجة ويراكم، لكن على المدى المتوسط وليس الآنيّ، إذ أصبح من الصعب أخلاقياً دعم حرب من هذا النوع واستمرارها لأنها تخلّف مجاعة ومآسي وتُرتكب فيها مجازر ضد حتى مؤسسات دولية".

ويُردف منصور: "لم نسمع بعد هذا الصوت الواضح ضد الحرب حتى الآن، إذ إن بايدن صحيح طالب بوقف الحرب فوراً، لكنه أوضح أن ذلك من أجل دخول المساعدات الإنسانية وليس لإنهائها بشكل كلّي".

TRT عربي