تابعنا
أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) بعد مخاض طويل وترقب محلي ودولي عن تكليف مسؤول صندوق الاستثمار الفلسطيني محمد مصطفى تشكيل حكومة جديدة تحل مكان حكومة الدكتور محمد اشتيه.

كتاب التكليف تضمّن 11 بنداً تضمّنت المهام المنوطة بالحكومة المكلفة، بدءاً من إعادة الإعمار في قطاع غزة، مروراً بالإصلاح الداخلي المالي والإداري، وصون الحريات ومحاربة الفساد، وانتهاءً بالتحضير للانتخابات التي يُفترض أن تتوج عملية الإصلاح الداخلي، وتعيد بناء النظام السياسي الفلسطيني.

تتقاطع هذه المهام والأهداف في جوهرها مع المطالب التي طالب بها المجتمع الدولي ودول عربية وإقليمية من أجل مواصلة دعمها للسلطة الفلسطينية.

لم يراعِ التكليف الجديد طبيعة التحديات التي تنتظر الحكومة الفلسطينية الجديدة من فتور دولي وإقليمي في التعامل معها قبل تشكيلها، وعدم الثقة ولا مبالاة من الرأي العام الشعبي الفلسطيني، إلى جانب الرفض الفصائلي. كل ذلك يأتي بالتوازي مع أزمة مالية خانقة، وحرب إبادة وتدمير شاملة في قطاع غزة، وحرب وحصار تعيشه الضفة الغربية.

ولنجاح هذه الحكومة في تنفيذ بنود تكليفها، من الضروري وجود توافقات داخلية تستند إلى رؤية وطنية ومجتمعية مشتركة تأخذ بالاعتبار توحيد طاقات الشعب الفلسطيني، وتحمل توجهات جادة لتنفيذ الإصلاحات داخل جسم السلطة الفلسطينية.

وتواجه الحكومة الجديدة واقعاً سياسياً صعباً يبدأ بخطط ومشاريع اليمين الإسرائيلي، ومعارضة الاحتلال عمل الحكومة ورفضه إعطاءها أي دور في غزة، إلى جانب تردد عربي ودولي في تمويل عملية إعادة الإعمار من دون إحداث إصلاحات حقيقية وملموسة في بنية السلطة.

غياب هذه العناصر لم يحوّل مهمة الحكومة إلى مهمة مستحيلة ومحكومة مسبقاً بالفشل فقط، بل جعل مجرّد تشكيلها نذيراً بعودة الصراع الداخلي والتراشق وتبادل الاتهامات بين السلطة الفلسطينية ومعظم الفصائل الفلسطينية، التي بدأت تظهر من خلال البيانات الفصائلية ومن شخصيات اعتبارية رافضة للحكومة ومنتقدة للطريقة التي جرى اختيارها على أساسها.

بوابة الحكومة الجديدة أو أي جهة تريد العمل في قطاع غزة هي التوافق الوطني، والمرجعية الوطنية الواضحة والمقبولة من جميع الفصائل الفلسطينية وتحديداً فصائل المقاومة هي حركتا حماس والجهاد.

استندت الحكومة في قرار تكليفها إلى قراءة الرئيس أبو مازن الشخصية للأزمة التي تمرّ بها الحالة الفلسطينية، والتي اعتبر فيها أن مطالب الإصلاح التي يطالب بها العالم إنما هي جزء من الصراع بين المحاور المختلفة بهدف الانتقاص من صلاحياته، وأنها ليست أكثر من محاولات تقف خلفها جهات داخلية وخارجية تهدف إلى إضعافه، وبالتالي تعمَّد في هذه التوليفة، التي لم تتجاوز المشاوراتُ فيها مكتب الرئيس أبو مازن ودائرته المقربة في المقاطعة، تجاهل الأطر الفلسطينية الأخرى، كما أنها جاءت أقل بكثير مما طالبت به الدول الغربية والعربية والإقليمية، فضلاً عن أنها ستكون أضعف من أن تواجه إسرائيل وتفرض رؤيتها عليها سواء في الضفة أو في غزة.

إنَّ تدفُّق الأموال وعودة الدعم العربي والدولي من أجل إنعاش السلطة وإخراجها من أزمتها المالية وحالة العجز التي تمرّ بها، وإعادة الإعمار في قطاع غزة، وإحياء المسار السياسي، أمور مرهونة بوجود حكومة توافقية تحمل رؤية شاملة مدعومة شعبياً ولها غطاء فصائلي عريض وتتمتع بصلاحيات حقيقية، وهو ما تفتقد إليه هذه الحكومة ويشي بعمرها القصير وقلة حيلتها.

صراع داخلي في ظل الحرب!

تواصل إسرائيل حربها على قطاع غزة في شهرها السادس من دون أن تظهر أي بوادر نجاح في القضاء على فصائل المقاومة الفلسطينية أو عزلها شعبياً وميدانياً، رغم كل ما اقترفه جيش الاحتلال من جرائم ومجازر وتدمير ممنهج للبنية التحتية، وهو ما يجعل الرهان على فرضية غيابها عن ترتيبات "اليوم التالي للحرب" يفشل تماماً، ويجعل الكلمة الأخيرة في ترتيبات اليوم التالي للحرب بيد الفصائل والقوى المجتمعية والعشائرية والوطنية في غزة، وفي مقدمتها حركتا حماس والجهاد الإسلامي، وهو ما يتطلب شراكة معها وتوافقاً وطنياً وسياسياً على شكل الحكم والإدارة في الضفة والقطاع، وهو ما نسفته هذه الحكومة.

إنَّ الصراع الداخلي الذي تفجّر بعد إعلان تسمية محمد مصطفى لتولي مهمة تشكيل الحكومة سوف يضعف قدرتها على تنفيذ المهام المنوطة بها في كتاب التكليف، أو الحدّ من الأزمة المالية الخانقة التي تعاني منها الضفة الغربية، أو القدرة على الوقوف في وجه حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على غزة، أو الحصول على ثقة وتأييد الشارع والرأي العام، ولن تثير حماس دول المنطقة للمبادرة إلى دعمها مالياً وسياسياً.

أحد السيناريوهات الممكنة التي أعادت هذه الحكومة إحياءها هو عودة حالة الانقسام، أو بالأحرى بقاؤها وتشكيل حكومة بلون وطيف ووظيفة مختلفة في غزة، تصارع حكومة مصطفى على أولوية الإعمار وأهليتها القيام به من موقعها في القطاع، كما أنه قد يتفجر على شكل صِدام سياسي وشعبي، أو مواجهة مع الاحتلال تمتد إلى الضفة وتعيد خلط الأوراق بشكل جذري في ظل حكومة اليمين الفاشي ومشاريعها القائمة على الترانسفير والمحو والاستيلاء على الأرض.

أياً يكن شكل الواقع الذي ستعمل فيه هذه الحكومة، فإنَّ النتيجة المؤكدة التي أوجدتها حتى الآن هي توتير العلاقة الداخلية وعودة الخلافات لتطفو على السطح في ظل غياب التوافق الوطني وترجيح كفة التفرد والاستحواذ على القرار الفلسطيني وحالة الجمود في هياكل السلطة في ظل واقع متحرك يسير بعكس الاتجاه الذي تبحر به حكومة محمد مصطفى.

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً